Saturday, January 5, 2013

«الربيع العربي» يدخل العراق من البوابة السورية! - الحياة اللندنية - سليم نصار

سليم نصار

تباينت الأوصاف التي أطلقها المحللون السياسيون على طبيعة هذه السنة، وما إذا كانت أحداثها تمثل امتداداً للسنة المنصرمة، أم أنها ستفرز وقائع جديدة!

الصحف الأجنبية وصفتها بـ «سنة الحسم»، على اعتبار أن الالتزامات التي وعد الرئيس باراك اوباما بتنفيذها ستستحق مواعيدها خلال الولاية الثانية من عهده. أي الولاية التي تبدأ في 21 كانون الثاني (يناير) الجاري المصادف يوم انتخاب بنيامين نتانياهو لولاية ثانية. في حين ترى الصحف العربية أنها ستكون «سنة الحرب» بدليل أن الجيش الاسرائيلي كثف مناوراته الحربية منذ تعهد نتانياهو وأفيغدور ليبرمان بمنع ايران من إنتاج سلاح نووي. وقد أعلن الرئيس الاميركي، في نهاية ولايته الأولى، عن تحقيق مثل هذا التعهد أيضاً.

ولكن المراقبين في واشنطن يستبعدون انجرار الرئيس اوباما وراء اسرائيل عقب مرحلة مقلقة شهدت انسحاباً اميركياً مذلاً من العراق. وهذا ما يفسر تردد الإدارة الديموقراطية في مخاصمة النظام السوري، خوفاً من تكرار سياسة الحماقة المتهورة التي ارتكبها الرئيس جورج بوش الإبن في العراق. لذلك قررت استكمال سحب قواتها من أفغانستان نهاية السنة المقبلة بحيث تكون متفرغة لمعالجة مشكلة السلاح النووي الايراني.

في آخر مقالة نشرها هنري كيسنجر في صحيفة «واشنطن بوست»، قال إن برنامج ايران النووي سيتصدر أولويات اوباما خلال ولايته الثانية. ونصحه بالإسراع في اتخاذ القرار الحكيم لأن الوقت بدأ ينفد أمام الدبيلوماسية، ولأن «الربيع العربي» زعزع استقرار المنطقة، وحرك النزاعات الطائفية القديمة.

التعليق الذي قدمه دنيس روس، المستشار الاميركي السابق للشؤون الايرانية، استبعد الخيار العسكري في النصف الأول من عام 2013، وقال إن اوباما لن يلجأ الى الحل الحربي إلا بعد استنفاد كل الوسائل الديبلوماسية المتاحة.

كذلك رأى جيمس جفري، المستشار السابق للأمن القومي الاميركي، أن إدارة اوباما هددت بتنفيذ الخيار العسكري في حال وصلت الأمور الى طريق مسدود. وهو يتوقع أن تستأنف المحادثات المجمدة مع طهران عقب الإعلان عن الإدارة الاميركية الجديدة التي تحمل بعض الأسماء المرشحة لتولي ملفات عام 2013 وبينها ملف: الانسحاب من أفغانستان ومعالجة الحرب الأهلية السورية والتفاوض مع ايران. وقد برز السناتور الجمهوري تشاك هاغل على قائمة المرشحين لوزارة الدفاع، بينما ظهر السناتور جون كيري كمرشح جدي لتولي حقيبة وزارة الخارجية خلفاً للوزيرة هيلاري كلينتون.

لمواجهة التهديدات الايرانية المتواصلة، ستعمل الولايات المتحدة مع حلفائها على زيادة حجم الضغوط الاقتصادية والحصار التجاري على ايران، بدءاً من شهر حزيران (يونيو) المقبل. وهي تتوقع أن يتأثر الوضع السياسي بهذه الضغوط، ويقوي فرص التململ الشعبي قبل انتخابات الرئاسة.

ومع أن المرشد الايراني علي خامنئي يعير هذه الانتخابات أهمية قصوى، إلا أن آخر نتائج استطلاعات رأي وكالة «مهر» تشير الى أن أكثر من ثلث الايرانيين لن يقترعوا. واستناداً الى إمكان حصول مقاطعة كبيرة، فإن واشنطن تعول على تنامي نشاط المعارضة في شوارع طهران، وعلى احتمالات دخول «الربيع الايراني» الى المدن والأرياف.

تقول الصحف الاميركية ان انسحاب القوات المشتركة من أفغانستان لا يعني أن الفراغ العسكري في تلك المنطقة الحساسة ستملأه القوات الايرانية. لذلك أعلنت إدارة اوباما عن استعدادها لنشر بوارج مقابل الساحل الايراني مطلع الربيع. والغاية – كما اختصرتها تلك الصحف – تتمثل بمنع ايران من إقفال مضيق هرمز.

في هذه الحال، تراهن الدول الغربية خلال عام 2013 على حدوث سلسلة متغيرات في سورية والعراق ولبنان يمكن أن تضعف نفوذ طهران وتربك تحركاتها العسكرية والسياسية على طول الخط الذي يوصلها الى البحر الأبيض المتوسط.

التوقعات كلها تشير الى احتمال فقدان الرئيس بشار الأسد المزيد من مناطق السيطرة. وقد فوجئ الرأي العام العالمي بالمعلومات التي وزعتها المفوضة الدولية العليا لحقوق الإنسان، نافي بيلاي، حول وصول عدد القتلى في سورية الى ستين ألف نسمة. كما تجاوز عدد اللاجئين في تركيا 230 ألف شخص، وفي لبنان 235 ألفاً بينهم 32 ألف لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك.

هذا الأسبوع زار رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان بعض مخيمات اللاجئين برفقة رئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب. وأشار في خطابه الموجه الى صديقه القديم بشار الأسد الى أن مبادرة الأخضر الابراهيمي فشلت لأن المعارضة السورية رفضت مشاركة شخصيات من النظام خلال المرحلة الانتقالية. واعتبر أن سيد النظام فقد شرعيته بعدما قبلت مئة دولة في الأمم المتحدة شرعية الائتلاف الوطني. ولمّح في كلمته أيضاً الى أن سقوط النظام السوري بات وشيكاً. وعلقت الصحف التركية على هذا الكلام بالقول انه لم يعد أمام الأسد سوى خيارين: أن ينتقل الى المنطقة العلوية ويستأنف عمليات القتال من هناك بدعم من ايران و «حزب الله»… أو أن يتنازل لشقيقه ماهر الذي يقود المعارك، وينتقل هو للسكن في ايران أو روسيا أو أي دولة صديقة.

وقد أنكر الأسد كل هذه «الترّهات» وقال انه سيظل يقاتل ما دام يحظى بتأييد الشعب والجيش، إضافة الى الدول المناصرة مثل ايران وروسيا والصين.

ويبدو أن الدول الكبرى لم تعد مهتمة بمصير النظام ما دامت عوامل التفكك لم تعد تسمح لسورية-الأسد بالبقاء والاستمرار. وكل ما يهمها حالياً هو الخوف من سقوط مخزونات السلاح الكيماوي في أيدي جماعة «القاعدة» أو مَنْ يشابهها من الميليشيات المسلحة.

وتدعي قيادة الجيش الاميركي أنها أجرت تدريبات على هجمات للسيطرة على هذه المخزونات. علماً أن «الجيش السوري الحر» استولى على مخزون بالقرب من حلب، الأمر الذي دفع قوات النظام الى نقل باقي المخزونات الى مناطق تقع تحت سيطرتها.

المكان الآخر المرشح لمزيد من الخلافات السياسية – وفق الصحف العربية – هو العراق. ولقد انتهى عام 2012 بنزول عشرات الآلاف من الطائفة السنية الى الشوارع. واعتُبرت التظاهرات الحاشدة استعراضاً للقوة في مواجهة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي. كذلك رأى فيها المراسلون انتقاداً لاذعاً للحضور الايراني الذي نشره المالكي في دوائر الدولة ومؤسساتها الرسمية. لذلك ردد المتظاهرون هتافات معادية لطهران بينها: «يا ايران برا برا… بغداد تبقى حرة. يا مالكي يا جبان… تاخذ أوامرك من ايران». وقد رافقت هذه الهتافات عمليات إحراق العلم الايراني في مدن الفلوجة والموصل وبغداد وسامراء.

واللافت أن المحتجين في مدينة الرمادي رفعوا صور رجب طيب اردوغان الذي يدعم المعارضة السورية وينتقد المالكي بشدة. كما ينتقده زعماء السنّة وشيوخهم لأنه سيطر على كل مفاصل الدولة من خلال الوزارات السيادية التي حصرها بشخصه. كما حصر مهمات القيادة العامة للقوات المسلحة بشخصه أيضاً، الأمر الذي جعله مشرفاً على السلطة التنفيذية في مختلف المحافظات. ويتهمه زعماء السنّة بأنه سعى الى إقصائهم عن مواقع المشاركة، مثلما فعل مع نائبه طارق الهاشمي الذي هرب الى الخارج خوفاً من الانتقام. وربما نال نائبه الآخر صالح المطلك عقابه من المتظاهرين كونه يمثل رئيساً لم يتخلّ عن عقيدة حزب «الدعوة»، ولم يسمح يوماً بتطبيق مبادئ «حكومة الشراكة والمحاصصة.»

ولم تقتصر الانتقادات الموجهة الى المالكي على الطائفة السنية فقط، وإنما تعدتها لتصل الى منافسه الدائم اياد علاوي، بل وصلت الى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي هاجم تسلط المالكي ووصفه بالديكتاتور، وقال انه حذره من مغبة السقوط بسبب «الربيع العراقي».

ومعلوم أن لمقتدى الصدر ستة وزراء في الحكومة و 40 نائباً في البرلمان. وقد شن حملة شعواء على المالكي بسبب صفقة السلاح مع روسيا التي تراجع عنها رئيس الحكومة بعدما علم بأن عمولة تسعة وسطاء كانت ستكلف 3 بلايين دولار. ويشاع أن وسيطاً لبنانياً (؟) نال عمولته قبل أن تتراجع الحكومة العراقية.

في هذه الحال، اضطر المالكي أن يخلق متآمرين على العراق قال ان اردوغان يحركهم لمصلحة تركيا ومَنْ يقف وراءها. واتهمه بدغدغة أحلام زعماء كردستان بهدف تقسيم العراق وتفكيك وحدته الوطنية. ورد عليه اردوغان بأن تقسيم العراق سيخلق مخاوف لجميع دول المنطقة التي تعاني التحيز تجاه مكونات شعوبها. ووصف أداء المالكي بأنه اداء غير وطني كونه ينطلق من خلفية حزب «الدعوة» ومن سياسة ايران القاضية بتعزيز التيارات المذهبية في سورية والعراق ولبنان ومختلف دول المنطقة.

مهما يكن من أمر، فإن كل المؤشرات السياسية تدل على أن سنة 2013 ستكون سنة استمرار الغليان وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وكما اصطبغت سنة 2012 بصبغة «الربيع العربي» الذي بدأ في تونس (كانون الأول / ديسمبر 2011)… كذلك ستصطبغ هذه السنة بـ «شتاء إسلامي» بسبب نشوء فراغ سياسي نجم عن سقوط أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر واليمن. وهو في الأصل نضال طويل بين التيار الإسلامي الذي يريد للإسلام أن يحكم المجتمع والدولة… وبين التيار العلماني الذي يطالب بالديموقراطية والتحرر من تسلط الحكام المستبدين ومن تنظيرات الفقهاء.

الجديد في النظام الإقليمي أن معالمه لم تكتمل بشكل نهائي بسبب الغموض الذي يكتنف الدور الاميركي. فقد اضطرته إضطرابات الشرق الأوسط الى رفض أداء دور الوسيط، مثلما كان يفعل طوال الستين سنة الماضية. وكان من الطبيعي أن تبعده أحداث هذه المنطقة الى آسيا بانتظار ما تقرره ايران نحو قنبلتها النووية، وما تقرره اسرائيل إزاء منعها من إنتاج القنبلة!

وهذا ما ستظهره الانتخابات في كل من اسرائيل وإيران!


«الربيع العربي» يدخل العراق من البوابة السورية! - الحياة اللندنية - سليم نصار http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment