Thursday, January 10, 2013

قطر : من الاستكانة الاقليمية الى وضعية التأثير العالمي

بدأت قطر توسع نفوذها ودورها الاقليمي.

اشتهرت قطر بـ”عدم شهرتها” نظرا لكونها دولة صغيرة تطل على الخليج بدت دوما على الخارطة مجرد نتوء ملحق بجارتها السعودية، كما دأب افراد اسرة آل ثاني الحاكمة في قطر في كثير من الاحيان ابدت اجلالا كبيرا الرياض خشية التسبب في توتر او لفت انتباه لانفسهم لا لزوم له.

واتسم عمل القطريين لفترة طويلة بالهدوء وعدم الحاق الضرر بالاخرين، لكنهم وإن كانوا اغنياء بفضل النفط والغاز، فهم فقراء في القوى العاملة والموارد اللازمة لاي دولة تمكنها من الدفاع عن نفسها ضد القوى المهيمنة في المنطقة.

ونظرا لما شهدته الامارات المجاورة من تحول ملحوظ للغاية في السنوات الاخيرة، فقد باتت قطر تنتشر في كل مكان وتستخدم ثروتها الهائلة لتشييد ناطحات السحاب وشراء اندية كرة القدم والمجموعات الفنية النادرة الى جانب دعم المعارضين في المنطقة العربية، وكذا النهوض بدور رئيسي في الشؤون الدبلوماسية للسياسة العربية.

انقلاب القصر

اذن ما الذي جعل هذه الدولة، التي ظلت لفترة طويلة ساكنة اقليميا، تلعب دورا مؤثرا على الساحة العالمية؟

تعتبر قطر اليوم نتاج 17 عاما من الاستقرار في ظل نظام حكم الامير حمد بن خليفة آل ثاني الذي تولى حكم البلاد في اعقاب انقلاب سلمي على والده الشيخ خليفة.

لم يكن خليفة الأب – الذي اعتاد قضاء اوقات على شواطئ الريفيرا بفرنسا – يتمتع بالطموح الذي تمتع به نجله الشيخ حمد الذي دوما ما خالجته الرغبة في اعادة رسم ملامح قطر وتأمين مركزها والاستفادة من تجربة غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لدولة الكويت عام 1990 التي تشبهها من حيث كونها دولة غنية بالنفط يحيطها خصوم كثيرون.

وكانت قدرة قوات صدام حسين على اجتياح الكويت دفعت ولي العهد، في ذلك الوقت، الشيخ حمد، الى اطلاق مبادرات تضمن عدم خضوع بلده لنفس المصير.

ولكي يضمن لقطر ذلك الوضع لم يعد ذلك الرجل الهادئ في منطقة الخليج، بل يجب ان يصبح نافعا للعالم الذي يستفيد من توفير الحماية لبلاده.

الاكثر من ذلك انه يتعين ان يكون نافعا للولايات المتحدة، القوة الوحيدة القادرة على ضمان بقاء دولة قطر.

فحقيقة وجود الولايات المتحدة على الاراضي السعودية في اعقاب حرب الخليج بمثابة ورطة، واصبحت قطر بديلا امثل الامر الذي جعل الولايات المتحدة تنشئ قاعدة امريكية على الاراضي القطرية عام 1992.

ومنذ ذلك الوقت اصبحت قطر مقرا للقيادة المركزية الامريكية المنوطة بتنسيق العمليات الامريكية في العراق وافغانستان.

اصلاح وانتقال

اعتلى الشيخ حمد سدة السلطة عام 1995 وصاحب توليه الحكم تغيرات فورية

لكن حقيقة ان تصبح نافعا للعالم يتطلب امورا اكثر من السماح بوجود قوات عسكرية على اراضيك.

لقد ادرك الامير الذي سيتولى حكم البلاد انه في سبيل لفت انظار العالم لقطر، عليها ان تجعل نفسها محل انظار الجميع.

اعتلى الشيخ حمد سدة السلطة عام 1995 وصاحب توليه الحكم تغيرات فورية.

أسس قناة الجزيرة الفضائية، واطلق برامج في مجالات التعليم والرعاية الصحية ومرافق البنى التحتية بتمويل يأتي من انتاج النفط.

واستطاعت البلاد الفوز بحق استضافة دورة الالعاب الاسيوية عام 2006 فضلا عن الفوز بامتياز تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم (فيفا) عام 2022. والان اصبح هذا البلد الذي كان في السابق منغلقا وهادئا يبسط ذراعيه للعالم.

كما شهدت قطر تدفق المؤسسات والمعارض الفنية ومراكز الابحاث والمعاهد البحثية التي ساهمت هي الاخرى في بناء حوار متحضر وثقافي في البلاد. وترحب البلاد بمناقشة قضايا العصر، لاسيما في محيط الشباب.

ثروة وامتيازات

أصبح القطريون، الذين عرفوا بالسلبية واللامبالاة فيما يتعلق بالقضايا السياسية، يتمتعون بحس يجعلهم يشعرون بضرورة تقديم المزيد من الاسهامات.

وبدأت الافكار تتوافد الى هذا البلد، الذي عرف بتقليديته، من جميع ارجاء العالم. واصبحت قطر مركزا تنصهر في بوتقتها الحداثة والقيم الاسلامية التقليدية.

وشب القطريون الشباب في هذه البيئة وعلى ارض تتمتع بالثراء والامتيازات على نحو مغاير تماما للاباء الذين لم يحالفهم حظ تجربة الحداثة، بل كانوا حتى لا يعرفون تاريخ ميلادهم.

وفي الوقت الذي انغمس فيه الاجداد في التقليدية، أصرت الاجيال الشابة على تنحية حدود الاعراف الاجتماعية.

فهذا البلد الذي يعد من اشد البلاد تحفظا، فليس من غير المعتاد رؤية شباب ونساء يشبكون الايدي او يتواعدون على اللقاء في الاماكن العامة، لكنه امر يثير امتعاض الاسر المتحفظة اجتماعيا ودينيا في البلاد.

يعي القطريون قصة دبي في الامارات المجاورة، التي استطاعت بفضل انفتاحها على العالم ان تدرج الثقافة الخليجية التقليدية على اهتمامات الغرب.

وعلى الرغم من كافة الابنية المضيئة والثروة المالية، مازال القطريون اناسا يتمتعون بالتقليدية، ومازال الدين الاسلامي محل اهتمام في حياتهم. والى جانب كافة المساعي الانفتاحية للاستفادة من العولمة، تبذل جهود للحد من عيوب الحضارة الغربية التي غزت دبي.

بلد هجين

تشير احصاءات عام 2012 ان القطريين يمثلون فقط 15 في المئة من سكان البلاد، فترسيخ ثقافتهم في مواجهة التدفق العارم للاجانب على البلاد يمثل قضية تحظى باهتمامهم الخاص.

ويستطيع المقيم في البلاد ان يسمع عبارة متواترة على لسان المحليين هي ان قطر لن تصبح دبي اخرى.

تسعى قطر، بالنظر الى التشدد المغالي فيه للرياض امام الغرب و التحرر المسرف لدبي امام الشرق، ان تصبح بدلا من هذا وتلك بلدا اصيلا هجين الشخصية يمكنه الحفاظ على ثقافة الخليج وتقاليده، لكن في الوقت عينه يتمتع بانفتاحية وافكار اجتماعية معقولة.

وبالانتقال الى الشؤون الخارجية، اصبحت قطر دولة فائقة النشاط، بعد ان مثل الربيع العربي منعطفا في حياة قطر امام العالم.

اغتنمت قطر فرصة الحراك الشعبي في شتى ارجاء المنطقة ودعمت بشدة سقوط الديكتاتورية في ليبيا وسوريا، كما دعمت تنامي الحركات الاسلامية الشعبية في المنطقة بالمال والجهود الدبلوماسية وحتى بالسلاح.

لكن المساعي القطرية ركزت على تسوية مشكلات العالم الاسلامي وكان لها ردود فعل متفاوتة، لاسيما من اولئك الذي يعتقدون ان قطر تلعب دورا مزدوج المعايير في مساعيها لدعم الثورات ضد الدكتاتوريات في العالم العربي، او وضع نفسها في وسط النزاعات الدبلوماسية في الدول الاخرى.

لكنها مع كل ذلك مازالت دولة تتمتع بنظام وراثي مطلق، وان كانت الانتخابات المقترحة العام الجاري قد تمثل خطوة اولى رئيسية على سبيل اعادة التفاوض على العقد المبرم بين المواطن والدولة، فمازال غير معلوم الى مدى ستستمر العملية خلال السنوات القادمة.

سرعة خطيرة

لعبت قطرا دورا في غزة وفي ثورات الربيع العربي.

لقد ابرز المسار الذي رسمته النخبة الحاكمة في قطر اولويات في السياسة الخارجية والحاجة لاحداث تغيرات داخلية، وان يكون هناك تداخل في المصلحة اكثر مما يعتقد الاخرون.

انعكست الطموحات الاقليمية للامير التي تهدف الى تغيير العالم العربي ليصبح اكثر فعالية وقدرة في التغيرات الاجتماعية التي يسعى الى غرسها في اذهان المواطنين.

لقد بزغت قطر كنتاج ثروة نفطية وغازية هائلة ونخبة حاكمة تتمتع برؤية ومواطنين يرغبون في قبول ما تمليه عليهم النخبة.

ان البلاد تتحرك بسرعة كبيرة من ماضيها الى مستقبل جديد غير معلوم. فهي تتحلى بمواقف حماسية تحظى بالاعجاب الى جانب بعض النواقص على حد سواء، لكن الذي لا يقبل مجالا للشك هو ان قطر حاليا وضعت نفسها على الخارطة واستعدت للمستقبل.


- اخبار -


قطر : من الاستكانة الاقليمية الى وضعية التأثير العالمي http://wscdn.bbc.co.uk/worldservice/assets/images/2013/01/09/130109143939_qatar_doha_304x171__nocredit.jpg

No comments:

Post a Comment