Saturday, January 12, 2013

تونس : ملفات عالقة أمام الترويكا الحاكمة في الذكرى الثانية للثورة

 تحتفل تونس خلال أيام بالذكرى الثانية لسقوط نظام زين العابدين بن علي الذي كان بداية مرحلة عرفت بالربيع العربي وأفرزت نتائج انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011 تحالفا بين حزب النهضة الإسلامي وحزبي التكتل والمؤتمر من أجل الجمهورية لتشكيل حكومة شرعية تقود البلاد حتى صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في ظرف سنة. وعهد إلى المجلس التأسيسي بكتابة الدستور الجديد .

إلا أن حكومة الترويكا التي خلفت الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء السابق الباجي قايد السبسي باتت تواجه تحديات كبرى ما دفع بعدد من المراقبين إلى وصفها بالفاشلة ، خاصة في تعاملها مع ملفات رئيسية كانت من مطالب المحتجين خلال الثورة التونسية التي أطاحت بالنظام السابق.

تراجع التشغيل وارتفاع متواصل لنسب البطالة

تفاقمت أرقام البطالة في تونس وانتشرت الظاهرة التي تؤرق المجتمع التونسي وتمس جانبا كبيرا من شرائحه إن لم تكن مجملها، الحق في العمل هو شعار رفعه الشباب الذين قاموا بالثورة ضد النظام التونسي السابق حين رددوا  “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق”. إلا أن أرقام البطالة لا تزال تشهد منحى تصاعديا وسوق العمل في تونس لم تعرف بعد الانفراج الذي بشرت به حكومة النهضة الإسلامية التي وعدت خلال الحملة الانتخابية بتوفير 400 ألف فرصة عمل في حال وصول النهضة إلى الحكم. وتشير الأرقام الرسمية التي نشرها موقع وزارة التشغيل التونسية لطلبات الشغل في تونس إلى أن عدد الباحثين عن عمل في فبراير 2011 كان في حدود 187442 قبل أن يصل أواخر فبراير 2012 إلى 300637 من بينهم 203 ألف من حاملي الشهادات العليا و21 ألف من حاملي شهادات التكوين المهني.

أرقام يضاف إليها هروب عدد هام من الاستثمارات الأجنبية وحتى الوطنية إلى دول أخرى كالمغرب وتركيا حيث الأوضاع الاجتماعية والسياسية أفضل. ما يعطل أكثر عجلة الاقتصاد التونسي، ونشرت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي في هذا الصدد أرقاما بينت أن الاستثمارات الأجنبية تراجعت في أواخر2011 بنسبة 26.3 بالمئة.

الخطر السلفي

منذ تولي الترويكا الحكم في تونس ما بعد الثورة كثفت جماعات مسلحة من عملياتها، فقد قتل في 10 ديسمبر/كانون الثاني الماضي في مدينة القصرين وعلى الحدود مع الجزائر المجاورة ضابط في الجيش التونسي بعد مواجهات مع مجموعة قالت وزارة الداخلية إنها تنتمي” للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، كما قتل عدد من أفراد الأمن في تبادل لإطلاق النار مع مجموعة مسلحة في فبراير/شباط 2012 في بئرعلي بن خليفة في ولاية صفاقس. وفي منطقة الروحية في ولاية سليانة قتل ضابط وجندي بعد مواجهة مع مسلحين تسللوا من الجزائر. وشهدت منطقة دوار هيشر منذ أسبوعين مواجهة مسلحة مع سلفي أسفرت عن مقتل زوجته وحجز كميات كبيرة من السلاح والذخائر.

أسلحة يشتبه في أنها تعود إلى الترسانة العسكرية لنظام العقيد معمر القذافي انتشرت في دول الجوار كمصر ومالي والجزائر وتونس، واستولت عليها مجموعات متشددة مرتبطة بالقاعدة وبمجموعات مسلحة أخرى في المنطقة.

السلفيون في تونس لفتوا إليهم الانتباه على الساحة المحلية والدولية وفي مناسبات عدة، من خلال مهاجمتهم لملتقيات ثقافية كأحداث قصر العبدلية في ضاحية المرسى وكذلك حين هاجموا قناة نسمة التونسية على خلفية عرض فيلم بيرسيبوليس، وحين هاجموا عرض الممثل التونسي لطفي العبدلي في ضاحية قرمبالية وكذلك حين هاجموا قاعة أفريكارت بعد عرض فيلم المخرجة التونسية نادية الفاني. وكذلك عندما هاجموا في 12 سبتمبر/أيلول الماضي سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في تونس ما أسفر عن مقتل عدد من السلفيين ورجل أمن تونسي وما أعقب ذلك من ردود فعل دولية منددة…تعامل الحكومة الحالية ومن ورائها النهضة مع السلفيين اعتبره مراقبون متسامحا رغم اعتداءاتهم المتكررة والخطيرة، خاصة أن مؤسس الحركة راشد الغنوشي وجانب كبير من النهضة الحاكمة يعتبرونهم من ضحايا استبداد نظام بن علي ولا يجوز التعامل معهم بنفس أسلوبه. حتى أن الغنوشي قال “إن السلفيين لم يأتوا من المريخ بل يذكرونه بشبابه ويبشرون بثقافة جديدة”.

ميليشيات “رابطات حماية الثورة “

تهاجم مجموعات مسلحة وعنيفة منذ عدة أشهر خصوم النهضة، خاصة اجتماعات حزب نداء تونس الذي شكله رئيس الوزراء التونسي السابق الباجي قائد السبسي، وهو حزب يحظى اليوم بشعبية كبيرة.

هجمات هذه المجموعات التي حصلت على ترخيص قانوني في ظل حكومة الترويكا تصب غالبا في مصلحة الحزب الإسلامي الحاكم حتى أن البعض يسميها ميليشيات النهضة، وذراعها المسلح وحتى نواب المجلس التأسيسي من كتلة النهضة جاهروا بمساندتهم لهذه المجموعات التي رفضت النهضة حلها، حتى بعد ما قتلت منسق عام نداء تونس لطفي نقض في مدينة تطاوين ضربا وركلا في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

اعتداءات هذه الميليشيات طالت أيضا اتحاد العمال الشهير في تونس الاتحاد العام التونسي للشغل حيث هاجموا مقره في ساحة محمد علي بالعاصمة تونس واعتدوا بالهراوات والغازات المشلة للحركة على أعضائه وتسببوا في جرح العشرات في 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي ما دفع بالاتحاد إلى الدعوة إلى إضراب عام في كامل البلاد تم تفاديه بعد مفاوضات ماراتونية مع الحكومة لكن دون الموافقة على حل هذه الرابطات.

آخر اعتداءات الميليشيات طال من جديد حزب نداء تونس خلال تنظيمه مهرجانا شعبيا في جزيرة جربة في22 ديسمبر/كانون الأول الماضي ما دفع قيادات الحزب إلى التهديد باللجوء إلى محكمة العدل الدولية للمطالبة بحماية اجتماعاته وأعضائه من اعتداءات هذه الميليشيات في ظل قصور حكومي لتوفير هذه الحماية.

استقلالية القضاء

تعود حقيبة وزارة العدل إلى نور الدين البحيري وهو من قيادات النهضة، ولاقت وزارة العدل انتقادات واسعة في تعاملها مع عدة ملفات من بينها مكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين. إلا أن قضايا أخرى جلبت انتقادات واسعة لعمل وزارة العدل في الحكومة الانتقالية كمحاكمة مدير قناة نسمة سامي الفهري ورفض الإفراج عنه رغم قرار محكمة التعقيب المبرئ له حتى أن مصادر تتحدث عن وجود قرار شخصي من البحيري على الإبقاء على الفهري وراء القضبان، رغم الحملة الإعلامية والشعبية المكثفة التي تطالب بتطبيق القانون والتي أسموها “طبق القانون” للإفراج عن المدير الشهير لقناة التونسية.

من بين إخفاقات وزارة العدل أيضا تعاملها مع قضية الفتاة التونسية المغتصبة من قبل رجلي أمن تونسيين والتي وجهت إليها تهمة التجاهر بفعل فاحش وقد أثارت هذه القضية ضجة إعلامية وحقوقية في داخل تونس وخارجها خاصة في ظل اتهامات من المعارضة بأن هذا القرار يخفي نوايا من وزارة العدل النهضوية بالتقليل من قيمة المرأة التونسية التي تحظى بمكانة متميزة بين النساء العربيات. وطفت على السطح قضية أخرى هي تقديم الممثل لطفي العبدلي للقضاء الاثنين الماضي على خلفية إشارة وجهها إلى الناطق باسم الحكومة التونسية ووزير حقوق الإنسان سمير ديلو خلال برنامج تلفزيوني، تم تأويلها على أنها استنقاص من قيمة الحكومة في حين أصر الممثل أن إشارته تندرج في إطار حرية التعبير التي كانت من أبرز مطالب “ثورة العدالة والكرامة”.

المدونة التونسية ألفة الرياحي كشفت للملأ منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي خبايا ما أصبح يعرف بقضية “الشيراتون غايت” حين كشفت عبر مدونتها عن وثائق تثبت تورط وزير الخارجية رفيق عبد السلام في فضائح فساد مالي وتبذير المال العام وقضية أخلاقية مفترضة، وكذلك كشفت تمتع وزارة الخارجية بمنحة من مليون دولار من وزارة الخارجية الصينية دون المرور بوزارة المالية كما يمليه القانون.

وبسرعة قياسية اتخذت وزارة العدل تدابير قضائية بحق المدونة التونسية التي تم منعها من السفر بناء على شكوى من رفيق عبد السلام، في وقت لم يحسم في قضايا محاكمة قتلة ضحايا الثورة أو تفعيل قرارات المطالبة برموز فساد مرتبطة بالنظام السابق كصخر الماطري أو سيدة العقربي. كما تنتقد المعارضة اليوم استمرار سعيدة العكرمي زوجة وزير العدل نور الدين البحيري، في العمل كمحامية في ما يتعارض مع أخلاقيات المهنة ومقتضيات الشفافية، حيث تطالب المعارضة أحد الزوجين بالتخلي عن منصبه.

ضعف مردود وزارة الخارجية

تعود وزارة الخارجية إلى رفيق عبد السلام بوشلاكة وهو صهر زعيم النهضة راشد الغنوشي، ومنذ تولي عبد السلام هذه الوزارة السيادية الهامة تتوالى الهفوات التي لم تكن من سمات الخارجية التونسية في عهدي بورقيبة وبن علي. فتعيين صهر الغنوشي على رأس هذه الوزارة أثار انتقادات حادة خاصة بعد تصريحات عجيبة لهذا الوزير أثارت الاستغراب كالخلط بين عواصم الدول وجهله بمعطيات جغرافية  للبلاد التونسية وخلطه في برنامج تلفزيوني بين آية قرآنية وبيت شعر للجاحظ وعدم إلمامه باللغة الفرنسية في بلد تعتبر فيه الفرنسية اللغة الثانية ولغة من بين أبرز لغات الدبلوماسية، كما اتخذت الخارجية التونسية مواقف مندفعة في قضايا حساسة كالمسألة السورية أو قضية البغدادي المحمودي رئيس الوزراء الليبي السابق، أو قرار إلغاء التأشيرات بين دول المغرب العربي والذي رفضته عدة دول فوريا ما أحرج الخارجية التونسية ودفعها إلى إلغاء الاقتراح.

مواقف الوزير وعدم شعبيته في تونس دفعت عدة ناشطين على الإنترنت للبحث في تاريخ الوزير الحامل أيضا الجنسية البريطانية وفي مدى صحة حصوله على شهادة الدكتوراة من جامعة وستمنستر البريطانية.

وزير الخارجية التونسي تلاحقه هذه الأيام فضيحتا الشيراتون غايت والمنحة الصينية، إلا أن أخبارا من داخل الترويكا تؤكد أن النهضة ترفض قطعيا التنازل عن وزارة الخارجية وإعفاء رفيق عبد السلام بوشلاكة من مهامه رغم الاتفاق على ضعف مردوده، وتتهم عدة أصوات راشد الغنوشي بالوقوف وراء هذا الموقف المتصلب بخصوص رفيق عبد السلام، الذي تسميه بعض صفحات فيس بوك التونسية “صخر الماطري الجديد”.

استعمال وزارة الداخلية للعنف المفرط

علي العريض القيادي في حركة النهضة يتولى وزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة وحاول معالجة قضايا حساسة بأسلوب جديد يقطع مع الصورة التي طالما رافقت وزارة الداخلية في عهد بن علي وبورقيبة، إلا أن هذه الوزارة لا تزال تستخدم العنف بشكل مفرط في تعاملها مع المحتجين والمظاهرات على غرار احتجاجات سليانة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي والتي خلفت أكثر من 300 جريح فقد عدد كبير منهم البصر بعد أن أطلقت عليهم قوات الأمن رصاصا مخصصا للصيد يحظر استخدامه دوليا. ما دفع منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان إلى المطالبة بإصلاح أجهزة الأمن وتدريب الشرطة التونسية.

كما انتقدت وزارة الداخلية بعد قمعها لعدة مظاهرات مرخص لها واستخدام العنف الشديد تجاه المتظاهرين والمعارضة في أحداث 9 أبريل 2012 في شارع الحبيب بورقيبة وإخفاق وزارة الداخلية في تأمين السفارة الأمريكية في تونس والمدرسة الدولية الأمريكية التي اقتحمتها مجموعات سلفية في سبتمبر/أيلول الماضي على خلفية فيلم مسيء للنبي محمد، رغم المعلومات التي تناقلتها عدة مصادر عن احتمال قيام هذه المجموعات بمهاجمة مصالح أمريكية كما حدث في ليبيا المجاورة قبل ذلك بأيام قليلة.

كما اتهمت وزارة الداخلية بانتهاج سياسة المعايير المختلفة في تعاملها مع مظاهرات السلفيين ومظاهرات المعارضة. كما اتهمت أحزاب المعارضة الداخلية بالتخاذل في حماية اجتماعات نداء تونس أو مقرات واجتماعات الاتحاد العام التونسي للشغل خدمة لمصالح حزبية تكون غالبا لصالح النهضة والترويكا الحاكمة.


- اخبار -


تونس : ملفات عالقة أمام الترويكا الحاكمة في الذكرى الثانية للثورة http://www.france24.com/ar/files/element_multimedia/image/banner_zone2.jpg

No comments:

Post a Comment