Monday, January 14, 2013

الإبراهيمي إلى مجلس الأمن: الحل أو التنحي

الإبراهيمي إلى مجلس الأمن: الحل أو التنحي

جورج سمعان

الإثنين ١٤ يناير ٢٠١٣

طال صبر الأخضر الإبراهيمي أكثر مما طال انتظار الحل. ناله من الانتقاد ما نال لتأخره في إطلاق المبادرة الموعودة. انتظر طويلاً وهو يحاول إقناع من يجب إقناعهم بما كشفه أخيراً صراحة وأثار عليه حفيظة النظام في دمشق بعد الحملات التي لم تتوقف عليه من أطراف كثيرة في صفوف المعارضة. المهم ألا يطول صبره على «الدعم» الذي يلقاه من واشنطن وموسكو وكرره قبل يومين وليم بيرنز وغينادي بوغدانوف في جنيف. فما لم يترجم هذا «الدعم» تأييداً لرؤيته أو خطته لوقف العنف وبناء المرحلة الانتقالية tستتعرض مهمته للتآكل، وتتحول مجرد غطاء للعجز أو التقاعس الدولي عن وقف جنون الحرب وفرض التسوية. فهل هذا ما يريده أم إنه سيطلب التنحي عندما يتقدم إلى مجلس الأمن قريباً… إلا إذا حصلت معجزة ما وتوافق الكبار على قرار ملزم لطرفي الصراع؟

لا يحتاج المبعوث الدولي – العربي إلى شرح ما بات يعرفه الأميركيون والروس وجميع اللاعبين الآخرين. وهو أن جلوس طرفي الصراع إلى طاولة الحوار من باب المستحيلات. فلا يجرؤ طرف سياسي واحد في معارضة الداخل والخارج على خوض مثل هذه التجربة مع النظام. ولا يمكن أن يقبل بدور للرئيس وأركانه في المرحلة الانتقالية. والنظام يرفض أصلاً الاعتراف بوجود المعارضة، مسبغاً عليها شتى النعوت والأوصاف. لكن الإبراهيمي الذي عبر صراحة عن وجوب قيام حكومة بصلاحيات كاملة ليس مقتنعاً بأن الحسم العسكري هو الحل، حتى وإن كانت الجماعات المسلحة على الأرض تحرز تقدماً. وليس وحده من يدرك أن نظام الرئيس بشار الأسد جزء من الأزمة أو هو أساسها، ولا يعقل تالياً أن يكون طرفاً في الحل.

اللاعبون الدوليون تلطوا حتى الآن وراء المبادرات السياسية والمبعوثين الأمميين والعرب لإخفاء عجزهم عن وقف آلة القتل المستمرة منذ 22 شهراً، أو لترددهم في الانخراط في صراع يعون تماماً أن ثمة لاعبين إقليميين آخرين ناشطين، وأن نتيجته ستحدد ميزان القوى الجديد ليس في سورية فحسب بل في المنطقة كلها. وهذا على الأقل ما عبرت وتعبر عنه مخاوفهم. وأولها تهديد الاستقرار الهش في بعض دول الجوار من تركيا إلى الأردن ومن لبنان إلى العراق، وتداعيات ذلك على دول الخليج… وحدود إسرائيل الشمالية أيضاً. وثانيها القلق على مآل الأسلحة الكيماوية، لئلا نتحدث عن مخزون من اليورانيوم إذا صدقت تقارير إعلامية غربية. وثالثها احتمال وقوع سورية في أيدي الجماعات الإسلامية المتشددة وما يطرح ذلك من تحديات لمصير الأقليات الدينية والعرقية في سورية ومستقبل دورها ووجودها. وهو الهاجس الكبير الذي تعبر عنه الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية وعربية كثيرة.

هذا الهاجس بات سمة مشتركة أيضاً لا تغيب عن مواقف جميع اللاعبين الخارجيين وأطراف الصراع الداخلي. ولا مبالغة في القول إن التأخير في فرض حل يوقف القتال لا يعزز ثقل «جبهة النصرة» فحسب بل كثير من الجماعات المتشددة. ولعل الصور والتقارير الواردة من مطار تفتناز خير تعبير عن حجم عن هذه القوى، بخلاف ما يحاول بعضهم التقليل من أثرها وفاعليتها. وهي ليست طارئة. فعندما قابل وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول الرئيس الأسد، غداة الغزو العراقي حمل إليه جملة من المطالب المعروفة. وكانت دمشق تقيم على جزع وخوف كبـــيرين من وصول القوات الأميركية إلى حدودها. ولم يقفل الرئيس السوري باب البحث في هذه المطالب. بل عمد إلى إقفال أبواب ما سمته دمشق «المكاتب الإعلامية» لحركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي». في تلك الزيارة سأل الوزير الأميركي الرئيس السوري لماذا سهلت وتسهل حكومته انتقال مجموعات كبيرة من «المجاهدين» من شمال سورية إلى العراق لقتال القوات الأميركية. كان جواب الأسد يومها أن هذه المجموعات تشكل تحدياً ومخاوف لقواته وأجهزة أمنه، وليس المطلوب منه أن يقف في وجه انتقالها إلى «الشقيق الشرقي»، وما على القوات الأميركية سوى أن تتولى أمر قتال هؤلاء وتصفيتهم!

ولا حاجة بالطبع إلى التذكير بما قامت به أجهزة الأمن السورية لاحقاً من تنظيم انتقال معظم «المجاهدين» من المغرب العربي وشبه الجزيرة والمنطقة كلها إلى العراق لمقاتلة الأميركيين وتأجيج الحرب المذهبية هناك. حتى أن نوري المالكي نفسه شكا دمشق إلى مجلس الأمن وطالب بمحكمة خاصة للجرائم التي يرتكبها «الجهاديون» بدعم من سورية. واليوم يراقب السفير الأميركي روبرت فورد، المكلف متابعة الأزمة السورية، بلا شك تحول الشمال السوري قاعدة لهذه المجموعات المتشددة. ولا يحتاج إلى درس في طريقة عملها وتحركها. خبر ذلك في حرب الجزائر في التسعينات وكان سفيراً لبلاده هناك. وخبر ذلك في العراق حيث كان عنصراً فاعلاً في الماكينة الأميركية التي قاتلت «القاعدة» العقد الماضي في بلاد الرافدين.

لهذا لا يستعجل الأميركيون التدخل في سورية. بل لا يرغبون في ذلك. أوكلوا الأمر إلى بريطانيا، وإلى المبعوث الدولي – العربي. وحتى الدوائر المعنية في الخارجية البريطانية التي تتشاور يومياً مع نظيرتها الأميركية، لا تبدي استعداداً للقيام بأي مغامرة. بخلاف الحماسة التي يبديها أحياناً رئيس الوزراء ديفيد كامرون أو وزير خارجيته. في أي حال لا يبدو أن أحداً في واشنطن أو أي عاصمة أوروبية يملك الجرأة على اتخاذ قرار بالتدخل، سيكون مكلفاً عسكرياً واقتصادياً، وهم يلملمون شتات عسكرهم من أفغانستان وغيرها. ألا يكفي عجزهم عن إنقاذ بعض الدول الأوروبية التي تعاني أوضاعاً اقتصادية هشّة تنذر بقلاقل ومشاكل اجتماعية تجد لها انعكاساً على القارة كلها ومستقبل اتحادها؟

في ظل غياب أي تحرك فاعل لوقف الحرب في سورية، لا يتوقع أحد من اللاعبين الدوليين والإقليميين، فضـــلاً عن المتصارعين في الداخل، أن تنتهي الأزمة بــغالب أو مغلوب. فالمدقق في الأسئلة الأميــــركية عن «اليوم التالي» لسقوط الأسد يجدها مطابقــــة تماماً للأسئلة الروسية. ولا تجد الدولتان جواباً سوى بإلقاء الكرة في ملعب المعارضة. كأن المطلوب أن تخوض جماعات المعارضة المسلحة صراعاً جانبياً مبكراً مع «جماعة النصرة» والجهـــاديين الذين يساهمون في قتال النظام. وهو صــــراع بدأت بوادره تصفيات متبادلة بين «النصرة» والفــــرق المحسوبة على «الإخوان». فهل يعقل ألا تــــدرك الدول الكبرى أن العزوف عن التدخل الفاعل يزيد في تعقيد الأزمة السورية ويعزز دور هذه الجماعات؟ إلا إذا كان المطلوب أن تفتح لها الساحات السورية للتناحر كما كانت الحال في العراق الذي تحول بعد الغزو الأميركي قبلة لـ «القاعدة» وشقيقاتها!

حتى إيران التي لا تتوانى عن دعم نظام الأسد بكل ما يحتاج إليه، تلمس ضعف هذا النظام. وتحتاط لاحتمال هزيمته في النهاية. وإلا ما معنى أن تتمسك باقتراح الرئيس محمد مرسي تولي المجموعة الرباعية (مصر وتركيا والسعودية وإيران) تسوية الأزمة، وهي تعرف رفض «الأطراف» الثلاثة بقاء الأسد؟ صحيح أنها تدرك حجم التحديات والمتاعب التي تسببها لها الأزمة في سورية واحتمال خسارة موقعها في هذا البلد، واهتزاز مواقعها في كل من العراق ولبنان أيضاً، بعدما أقفلت في وجهها ساحة البحرين وخرجت القضية الفلسطينية من تحت عباءتها. ولكن، قد لا تصح المبالغة في توقع خسارتها الكاملة لهذه المواقع أو المراهنة على ذلك، إذا انتهت الحرب بتحويل سورية إلى صومال أو أفغانستان، على ما يحذر الإبراهيمي.

وإذا قيض للمعارضة أن تدحر النظام في دمشق وحلب، فإنه سيجد ملاذاً في الساحل الغربي. وإذا لم تتوافر الظروف الإقليمية والدولية لتقسيم سورية، فسيظل الأسد يحتفظ بـ «الشرعية» ما لم يبدل أصحاب «الفيتو» مواقفهم. فيما تغرق فرق المعارضة في التناحر على السلطة. وقد بدأت بوادر الصراع الدموي بين بعض مجموعاتها. فضلاً عن القتال الذي سيندلع بين هذه المجموعات وأهل الشريط الساحلي العلوي إلى ما شاء الله. هذا من دون الإشارة إلى عبء إدارة مدن ودساكر تحولت أنقاضاً، وإلى اقتصاد يحتاج إلى بلايين الدولارات لينهض من الحضيض. فهل سيكون في طاقة هؤلاء المتناحرين الانشغال بقضايا إقليمية من مثل المساهمة في خنق «حزب الله» أو نصرة أهل السنّة في العراق؟ إلا إذا كان قدر اللبنانيين والعراقيين أن يغامروا مرة أخرى في خوض حروب أهلية جديدة!

وتركيا التي وقفت باكراً مع المعارضة تخشى على استقرار مناطقها الجنوبية في ظل الحدود المفتوحة أمام اللاجئين والمقاتلين الذين يثيرون حفيظة طائفة كبيرة في أنطاكيا. فيما عودة نشاط المجموعات الكردية يضاعف قلقها ومخاوفها، مثلما يثيرها الحديث عن «دويلة علوية» أو تقسيم سورية والعراق وما قد ينتهي إليه الوضع من قيام دولة كردية. وإذا كانت الأزمة وضعتها في مواجهة صريحة مع طهران وبغداد، فإنها تحاول هي الأخرى الحد من خسائرها وتعويض ما تخسر بعلاقات مميزة مع كردستان والسعي إلى تسوية مع حزب العمال الكردي. ولا حاجة إلى التذكير بمخاوف الأردن مما يجري اليوم في سورية ومن التغييرات المحتملة أيضاً!

في ظل هذه المعطيات هل يواصل الإبراهيمي تقديم غطاء لعجز جميع المتصارعين في سورية وعلى سورية، أم إن خسائر كل هؤلاء لم تتساوَ بعد أو لم تبلغ حدودها القصوى بتهديد مصالحهم المباشرة؟ وماذا عن سورية، هل بقي فيها شيء لم تخسره؟


الإبراهيمي إلى مجلس الأمن: الحل أو التنحي http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment