Friday, January 11, 2013

المسيحيون والسباحة في البرميل

النظر بعين باردة إلى السجال حول مشروع قانون الانتخابات اللبناني، يفيد أن الأطراف المتصارعة تسعى إلى حجز مواقع قوية لها في المرحلة الانتقالية المقبلة.

فعلى المجلس النيابي انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت يفترض أن تكون اتضحت فيه التوازنات الإقليمية والدولية لمرحلة ما بعد الربيع العربي. كما يتعين على المجلس المنتخب في وقت لاحق من العام الحالي تشكيل الدرع التشريعي والقانوني أمام المتغيرات العاصفة التي تلوح في الأفق. عليه، يمكن فهم هذا الاهتمام الزائد بقانون الانتخابات في وقت تبدو أحجام وأوزان القوى الطائفية آخذة في التبدل داخل جماعاتها و «جمهورها»، من جهة، وبالنسبة إلى بعضها البعض، من جهة ثانية.

لكن هناك مشكلة كبيرة في معالجة الشأن الانتخابي. ذلك أن السياسيين اللبنانيين يبدون كمن يسبح في برميل. في نهاية المطاف، يصعب ابتكار شيء ذي مغزى من بيئة ضحلة وفقيرة إلى الخيال وإلى الجرأة السياسية والفكرية. التخبط ونثر رذاذ الماء هو كل ما ينتجه السابح في البرميل، إذ لا يستطيع التقدم أو التراجع. وهكذا هم السياسيون اللبنانيون.

وما يعرف بـ «مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي»، الداعي إلى انتخاب كل طائفة نوابها، يختصر مأساة المسيحيين اللبنانيين. فأصحاب المشروع يطالبون بتصحيح التمثيل المسيحي في المجلس النيابي، لكن لإصرارهم على البقاء ضمن النظام السياسي الطائفي، يذهبون إلى تعميقه وتجذيره بدلاً من البحث عن مخارج لمآزقه.

بكلمات ثانية، أن الضمانات التي أعطاها اتفاق الطائف للمسيحيين، ضمانات تتجاوز مهمات الدستور، فهي ضمانات «ميثاقية» فوق- دستورية ترمي إلى الحفاظ على الكيان اللبناني بغض النظر عن الحقائق الديموغرافية. غني عن البيان أن التحالف الذي حكم لبنان في زمن الوصاية السورية أساء إساءة عميقة في استغلال هذه الضمانات وقزّم التمثيل المسيحي في الدولة تقزيماً كارثياً، لم تنته آثاره حتى اللحظة. بيد أن البعد المأسوي في المصير السياسي يتجلى في مفارقة استحالة تصحيح التمثيل المسيحي من دون الاصطدام بالأفق المسدود للنظام اللبناني ولتصورات الطوائف المسلمة لمصالحها وحصصها التي دفعت أثماناً باهظة كمقابل لها في الحروب السابقة.

البهلوانيات التي يلجأ إليها السياسيون المسيحيون لتعديل ما لا يُعدّل ضمن موازين القوى الحالية، تعيد التذكير بالسابح في البرميل. وتعيد التذكير أيضاً أن الانقسامات المسيحية إلى معسكري 8 و14 آذار (مارس) وصلت إلى فضيحتها الأخيرة: لن يتراجع الحلفاء المسلمون عن مصالحهم كرمى للمسيحيين الذين تتدهور مواقعهم وأهميتهم من النواحي كافة، خصوصاً في ظروف الثورات العربية التي تملي على كل الأطراف البحث عن الخندق الأعمق في انتظار مرور العاصفة. هذا ما يفعله الشيعة في 8 آذار والسنّة في 14 آذار.

جانب آخر وأعمق من المأساة المسيحية يتلخص في أن المسيحيين الذين أعطوا للبنان معناه وابتكروا له أساطيره المؤسِّسة وألفوا له تاريخاً من عدم وصنعوا فنه وسياسته، بهدف إنشاء كيان يضمن وجودهم في هذه المنطقة، لم يعودوا يشكلون الرقم الحاسم في المعادلة اللبنانية، لا في السياسة ولا في الثقافة ولا في الاقتصاد. إنهم كتلة منقسمة فاقدة لخطابها الذي ورث ملامح باهتة منه زعماء يثير أكبرهم الضجر أكثر مما يستحق الإصغاء الجدي.

ووراء كل ذلك، يُسمع هدير العاصفة العربية التي لم يستعد لبنان الاستعداد اللازم لها، والتي ستجد مداخل لها إلى نظامه السياسي وسط غفلة الغافلين.


المسيحيون والسباحة في البرميل http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment