لا يجيد اللبنانيون التبصر في الأحداث فقد تأكّلهم صدأ العصبية الطائفية ونخر فيهم السعي إلى لقمة العيش، وما عادوا يرون أبعد من أنوفهم. لبنان على منزلق تأجج الحرب الأهلية فهل يطفئ نارَها ربيعُ تسويةٍ تحلّ شتاءً؟
وصل الوضع إلى ما يشبه بداية الحرب الأهلية سنة 1975، مع تغييرات لتقلب الزمن. فإذا تمعنّا في ما حصل حتى الآن لا يمكننا إلا إعلان موت السياسة في لبنان للأسباب الآتية:
1- بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري سعى فريق 14 آذار إلى تدويل الأزمة اللبنانية، فنجح نسبياً في استدراج العامل الدولي إلى التدخل في الساحة اللبنانية. وكان للدول الكبرى دور مؤثر في مراحل فائتة، ولكنه أخيراً اتخذ أشكالاً متعددة أذكر منها على سبيل المثال القرارات الدولية ولا سيما الـ 1701 والـ 1559 وإرسال قوات دولية إلى الجنوب اللبناني، ثم المحكمة الدولية وتأثيرها وتداعياتها، فضلاً عن المبادرات الدولية ومواقفها المتشعبة. ولكن لا هذه التأثيرات ولا تجلياتها كلها تمكنت من وقف الاغتيالات أو من وضع حدٍ لدورات العنف المتنقلة وللحوادث الأمنية.
2- رغم الخروج العسكري والأمني السوري من لبنان ورغم الاتهامات السياسية التي حمّلته تبعات الجرائم المرتكبة، ورغم إنجاز التمثيل الدبلوماسي وفتح سفارة سورية في لبنان ولبنانية في سورية، أصبحت الحدود اللبنانية السورية مشتعلة، والاتهامات متبادلة حول تداخل وترابط الأزمتين، حتى أنّ الساحتين اللبنانية والسورية بدتا كأنهما ساحة واحدة، في معادلة تعاكس رغبة البعض، وهي وحدة مسار ومصير المعارضتين في لبنان وسوريا بسبب المراهنة على سقوطهما معاً أو انتصارهما معاً. لم يعد التدخل السوري يقرر مصير لبنان كما يريد ولا يستطيع لبنان أيضاً إدارة سياساته بمعزل عن سورية.
3- بعد أن كان العامل العربي مؤثراً في الساحة اللبنانية تراجع تدريجاً، وقد بدأ دوره بـ«قوات الردع العربية» ثم بالرعاية العربية لاتفاق الطائف، وصولاً إلى فشل السين – سين (التعاون السعودي السوري) مروراً بمبادرات الجامعة العربية واتفاق قطر وانحسار الدور المصري، إلى أن اقتصر دور بعض الدول العربية على دعم أطراف لبنانية، ما جعل الفعل العربي محدوداً وفئوياً وبالتالي غير قادر على تغيير المعادلات الداخلية.
4- أما العامل الإسرائيلي فقد انحسر بعد تحرير الجنوب وحرب تموز واقتصر على دعم شبكات التجسس الاسرائيلية والدعم السري وغير المباشر لأطراف معزولة وهامشية.
5- يبقى التأثيران الإيراني والتركي وفاعليتهما محدودة، لارتباطهما بدعم جماعات لبنانية لها تأثيرها على مناطق محددة وفئات معينة، وبالتالي لا يمكنها إحداث تغيير عام.
6- فإذا أجملنا، قلنا إنّ الأدوار الدولية والإقليمية متوازنة على الساحة اللبنانية. ومهما عظمت أو كبرت تبقى في حيز الاحتواء نتيجة التركيبة اللبنانية، وهي أسيرة التوازنات المذهبية والسياسية التي قسمت البلاد بين قوى متنازعة أفقياً، ومهما امتلكت من فائض قوة تظل غير قادرة على تغيير المعادلات المتقاسِمة النفوذ والحراكَ مناصفة، وتبقى شبه عاجزة عن الحسم والغلبة.
7- أمام هذا المشهد الدولي – الاقليمي المربك والمتأرجح، تتوزع القوى السياسية اللبنانية دوائر النفوذ في المركز والمناطق، وفق معادلة هشة تعطّل العمل السياسي الطبيعي، وذلك نتيجة سقوط النظام السياسي الذي وصل إلى طريق مسدود، لعدم استكمال تطبيق اتفاق الطائف أو تطويره، ولانتهاء مفعول التسوية التي أقرّت في الدوحة ولتقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وعجز المؤسسات الرسمية من حكومة وبرلمان عن الفعل، ولغياب الاتفاق على قانون انتخابات يجدد الحياة السياسية ويحسم الخلافات والنزاعات. والأخطر هو غياب المرجعية الدستورية القانونية والأنظمة التي ترعى إدارة الحكم ويمكن الاحتكام إليها. فوصلت الحياة السياسية في لبنان إلى أفق سياسي مقفل يصعب الخروج منه بالطرق السلمية الوفاقية. كما أنّ الاصطفاف السياسي الحاد بين 8 و14 آذار مع عدم وجود كتلة وسطية فاعلة ومؤثرة، فضلاً عن هامشية النقابات والأحزاب والكتل الوطنية الجامعة، كل ذلك أدى إلى انسداد أفق التغيير. لذلك أعلن «موت السياسة» لأنّ لبنان تحوّل ساحة أمنية مكشوفة أمام أجهزة المخابرات المتنوعة والتنظيمات الارهابية التي تغلّب العنف على الطرح السياسي، علاوة على عدم جدوى الإعلام والوعي والتعبئة السياسية في أداء دور مؤثر في التغيير أو في الحد الأدنى في إدارة العمل السياسي الحر.
هكذا تم تغييب الأخلاق والالتزام والمسؤولية عن الحقل العام وسادت العصبيات السلطوية وأضحى الحراك السياسي بلا جدوى، ومن دون معنى، وشعاره سلبي يتمحور حول الطلاق المزعوم بدلاً من السعي إلى زواج يبني أسرة. وحدها المقاومة ضد إسرائيل حافظت على بريقها، لذلك تستهدف الفوضى المستشرية العمل على تطويقها لشل فاعليتها وقدرتها ولإلهائها، وذلك لتسهيل انزلاقها في مستنقع الفتنة والخوف من اللاستقرار، ما حدّ من فعلها، فأضحت أسيرة تركيبة قد تؤدي إلى خراب البلد عبر حروب أهلية متقطعة وفرض الجمود والستاتيكو على فعلها ودورها.
دخل لبنان في منزلق الحرب الأهلية تدريجاً وقد تتخللها هدنات متقطعة بانتظار انفجار كبير أو تسوية دولية إقليمية في المنطقة تنعكس على لبنان، أو بانتظار ربيع لبناني ما زال حلماً وتمنياً.
وصل الوضع إلى ما يشبه بداية الحرب الأهلية سنة 1975، مع تغييرات لتقلب الزمن. فإذا تمعنّا في ما حصل حتى الآن لا يمكننا إلا إعلان موت السياسة في لبنان للأسباب الآتية:
1- بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري سعى فريق 14 آذار إلى تدويل الأزمة اللبنانية، فنجح نسبياً في استدراج العامل الدولي إلى التدخل في الساحة اللبنانية. وكان للدول الكبرى دور مؤثر في مراحل فائتة، ولكنه أخيراً اتخذ أشكالاً متعددة أذكر منها على سبيل المثال القرارات الدولية ولا سيما الـ 1701 والـ 1559 وإرسال قوات دولية إلى الجنوب اللبناني، ثم المحكمة الدولية وتأثيرها وتداعياتها، فضلاً عن المبادرات الدولية ومواقفها المتشعبة. ولكن لا هذه التأثيرات ولا تجلياتها كلها تمكنت من وقف الاغتيالات أو من وضع حدٍ لدورات العنف المتنقلة وللحوادث الأمنية.
2- رغم الخروج العسكري والأمني السوري من لبنان ورغم الاتهامات السياسية التي حمّلته تبعات الجرائم المرتكبة، ورغم إنجاز التمثيل الدبلوماسي وفتح سفارة سورية في لبنان ولبنانية في سورية، أصبحت الحدود اللبنانية السورية مشتعلة، والاتهامات متبادلة حول تداخل وترابط الأزمتين، حتى أنّ الساحتين اللبنانية والسورية بدتا كأنهما ساحة واحدة، في معادلة تعاكس رغبة البعض، وهي وحدة مسار ومصير المعارضتين في لبنان وسوريا بسبب المراهنة على سقوطهما معاً أو انتصارهما معاً. لم يعد التدخل السوري يقرر مصير لبنان كما يريد ولا يستطيع لبنان أيضاً إدارة سياساته بمعزل عن سورية.
3- بعد أن كان العامل العربي مؤثراً في الساحة اللبنانية تراجع تدريجاً، وقد بدأ دوره بـ«قوات الردع العربية» ثم بالرعاية العربية لاتفاق الطائف، وصولاً إلى فشل السين – سين (التعاون السعودي السوري) مروراً بمبادرات الجامعة العربية واتفاق قطر وانحسار الدور المصري، إلى أن اقتصر دور بعض الدول العربية على دعم أطراف لبنانية، ما جعل الفعل العربي محدوداً وفئوياً وبالتالي غير قادر على تغيير المعادلات الداخلية.
4- أما العامل الإسرائيلي فقد انحسر بعد تحرير الجنوب وحرب تموز واقتصر على دعم شبكات التجسس الاسرائيلية والدعم السري وغير المباشر لأطراف معزولة وهامشية.
5- يبقى التأثيران الإيراني والتركي وفاعليتهما محدودة، لارتباطهما بدعم جماعات لبنانية لها تأثيرها على مناطق محددة وفئات معينة، وبالتالي لا يمكنها إحداث تغيير عام.
6- فإذا أجملنا، قلنا إنّ الأدوار الدولية والإقليمية متوازنة على الساحة اللبنانية. ومهما عظمت أو كبرت تبقى في حيز الاحتواء نتيجة التركيبة اللبنانية، وهي أسيرة التوازنات المذهبية والسياسية التي قسمت البلاد بين قوى متنازعة أفقياً، ومهما امتلكت من فائض قوة تظل غير قادرة على تغيير المعادلات المتقاسِمة النفوذ والحراكَ مناصفة، وتبقى شبه عاجزة عن الحسم والغلبة.
7- أمام هذا المشهد الدولي – الاقليمي المربك والمتأرجح، تتوزع القوى السياسية اللبنانية دوائر النفوذ في المركز والمناطق، وفق معادلة هشة تعطّل العمل السياسي الطبيعي، وذلك نتيجة سقوط النظام السياسي الذي وصل إلى طريق مسدود، لعدم استكمال تطبيق اتفاق الطائف أو تطويره، ولانتهاء مفعول التسوية التي أقرّت في الدوحة ولتقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وعجز المؤسسات الرسمية من حكومة وبرلمان عن الفعل، ولغياب الاتفاق على قانون انتخابات يجدد الحياة السياسية ويحسم الخلافات والنزاعات. والأخطر هو غياب المرجعية الدستورية القانونية والأنظمة التي ترعى إدارة الحكم ويمكن الاحتكام إليها. فوصلت الحياة السياسية في لبنان إلى أفق سياسي مقفل يصعب الخروج منه بالطرق السلمية الوفاقية. كما أنّ الاصطفاف السياسي الحاد بين 8 و14 آذار مع عدم وجود كتلة وسطية فاعلة ومؤثرة، فضلاً عن هامشية النقابات والأحزاب والكتل الوطنية الجامعة، كل ذلك أدى إلى انسداد أفق التغيير. لذلك أعلن «موت السياسة» لأنّ لبنان تحوّل ساحة أمنية مكشوفة أمام أجهزة المخابرات المتنوعة والتنظيمات الارهابية التي تغلّب العنف على الطرح السياسي، علاوة على عدم جدوى الإعلام والوعي والتعبئة السياسية في أداء دور مؤثر في التغيير أو في الحد الأدنى في إدارة العمل السياسي الحر.
هكذا تم تغييب الأخلاق والالتزام والمسؤولية عن الحقل العام وسادت العصبيات السلطوية وأضحى الحراك السياسي بلا جدوى، ومن دون معنى، وشعاره سلبي يتمحور حول الطلاق المزعوم بدلاً من السعي إلى زواج يبني أسرة. وحدها المقاومة ضد إسرائيل حافظت على بريقها، لذلك تستهدف الفوضى المستشرية العمل على تطويقها لشل فاعليتها وقدرتها ولإلهائها، وذلك لتسهيل انزلاقها في مستنقع الفتنة والخوف من اللاستقرار، ما حدّ من فعلها، فأضحت أسيرة تركيبة قد تؤدي إلى خراب البلد عبر حروب أهلية متقطعة وفرض الجمود والستاتيكو على فعلها ودورها.
دخل لبنان في منزلق الحرب الأهلية تدريجاً وقد تتخللها هدنات متقطعة بانتظار انفجار كبير أو تسوية دولية إقليمية في المنطقة تنعكس على لبنان، أو بانتظار ربيع لبناني ما زال حلماً وتمنياً.
كاتب سياسي ـ لبنان
هل ماتت السياسة في لبنان؟ http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif
No comments:
Post a Comment