أثناء التواجد الأمني/ العسكري السوري في لبنان وحتى الخروج الإكراهي بقرار دولي صارم في 2005، كان الحديث عن تجاوزات «السوريين» وتسلطهم على عباد الله في لبنان من إذلال واحتلال واعتقال واستباحة وعنجهية وتحكم مطلق في القرار اللبناني، يحمل، في ما يحمل، إلغاء الفارق بين «سوريين» و «سوريين»: عمال بناء من ريف الشمال القاسي الفقر والذين يعيشون على الخبز والشاي لتوفير بضعة «دولارات» يعودون بها إلى عوائل تعيش دون خط الفقر بأشواط، وبين نخب أمنية يُحج إليها بالهدايا والحقائب المكدسة بالنقد الصعب لنيل رضا وكسب مكانة. وتم تغييب الفارق نفسه بين مثقفين ومشاركيين «بائسين» للتعبير عن موقف سياسي، يعدّون أعمارهم في السجون السورية بآثار الكابلات على جلودهم، وبين ضباط بملامح قاسية ونجوم على الكتفين ولكنة لا تخطئ، ضباطٍ يرسلون أولادهم إلى «الشويفات» و «الليسيه»، ولا بأس من مشاركتهم في مشروع تجاري لضمان مستقبل أجيال، من نسلهم، قادمة.
واليوم يتكرر الحديث عن «سوريين» آخرين هم من عليهم، بتعبير لافروف، أن يقرروا مصيرهم من دون أي تدخل من المجتمع الدولي، الذي هو بتعريف لافروف الغرب وأميركا وبيادقهم في المنطقة وليس الروس والإيرانيين «والممانعين» من مناصريهم. السوريون، بنظر لافروف ورغبته، هم الأسد والنخبة «الحاكمة» وكبار الأجهزة الأمنية، وربما في سريرته وقلبه الذي ليس علينا أن نشقه لنعرفهم، هم لافروف نفسه وبوتين وتابعه مدفيديف مع مراعاة الترتيب.
وثالثة الأثافي في تعريف السوريين تأتي من الأخضر الإبراهيمي الذي بدل من أن تحمل «بعثته» الأمل لهم بالضغط والمناورة وجر اللاعبين الكبار إلى الحل، إذا ببعثته تحمل لـ «السوريين» الخيار بين الجحيم والحل السياسي. ويحار المرء في العبارة المترجمة عن تصريح بالإنكليزية إن كان الخيار «في سورية» بين الجحيم والعملية السياسية كما أوردت بعض الوكالات، أم هو خيار السوريين أنفسهم كما يوحي كلام المبعوث الدولي والعربي، حيث لا يستقيم القول بوضع «السوريين» أمام «خيار» إلا إذا كان المقصود هنا نخب النظام ورئيسه، أو في واسع الظن، ائتلاف معارضة تتخبط في البحث عمّن تمثله.
إزاء كل هذا وذاك وذياك يواصل «السوريون» البحث في العتمة عن رغيف خبزهم الذي صار بندرة آمالهم، ودفن موتاهم على عجل إن تعرفوا على بقاياهم، واحتمال برد قارس لم يجدوا ما يرده عنهم سوى خشب المقاعد المدرسية وأشجار الطرقات المدمَرة.
* كاتب سوري
في المعاني المتعددة لـ «السوريين» http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif
No comments:
Post a Comment