بعد أكثر من عشرين شهراً على الثورة السورية، لا بد من التوقف أمام الحالة الراهنة وطرح بعض الأسئلة على الذات، فالنقد الذاتي والشفافية والموضوعية يمكنها أن تصقل التجربة وتدفع خطوة أو أكثر في الاتجاه الصحيح.
مفهوم الثورة بتعريف بسيط، يعني الانقلاب على نظام اجتماعي اقتصادي سياسي وتغييره تغييراً جذرياً. ومفهوم الديموقراطية يحمل في بطانته الكلية معنى الاتفاق بين أطياف المجتمع وتعاقدهم على تأسيس وبناء نظام سياسي مدني يقوم على المواطنة وينحو نحو إقامة دولة مدنية. والثورة هي إرادة الشعوب تعتمد فيها الشعوب على قواها الداخلية، وليست كالنزاعات الخارجية يمكن التحالف فيها مع الأجنبي لكسب المعارك أو الحرب الدائرة. إذا انطلقنا من هذه المفاهيم، فكيف يمكننا قراءة الثورة السورية في المرحلة التي وصلت إليها اليوم، وبعد أن دُفع المنتفضون إلى التسلح، وتحويل نضالهم السلمي في وجه نظام أمعن على مدى عقود في تقليص مساحات الحريات إلى حدّ انتفائها، وحوّل البلاد إلى معسكر غارق في الفساد، محكماً قبضته الأمنية حدّ تهديد الحياة عامة، إلى مواجهة عسكرية فتحت المجال لتحالفات واستقواءات كثيرة بالخارج، فصارت سوريا ميدان نزاع مسلح واسع لكل الأطراف الإقليمية والدولية، وقوده أبناء هذا الشعب؟
باستقراء الواقع والتاريخ الحديث يظهر للناظر أن الاحتجاج نشأ كمخاض لجنين نما في رحم ظروفه وشروطه الاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية، لكن ليست كل الولادات تنتهي مباشرة بوليد متكامل قابل للحياة، وليس كل المواليد مرغوباً بهم من قبل من ينتظرهم، فعمليات الإجهاض وحالات الوأد بالمعنى الحرفي والمجازي ما زالا وسيلة بيد بعض البيئات والظروف، كما أن اختطاف الولدان الجدد وأخذهم في مسارات أخرى بعيداً عن حاضنتهم يمكن أن تخدم غايات ومصالح معينة ظاهرة ما زالت موجودة، والنتيجة هي أن هناك خلطاً بين الإقرار بالثورة كظاهرة اجتماعية حتمية لها أسبابها الموجبة، وبين اعتبارها مفبركة وموجهة من بعض القوى الخارجية، أو على أقل تقدير هناك نية لمصادرتها واستغلالها من بعض القوى بعد أن تبدأ وتتخلق.
وصل النزاع في سوريا إلى مرحلة تحتاج تدبيراً إسعافياً يقوم به عقلاء وحكماء وشجعان ينتمون إلى هذا الوطن من أجل وقف حمامات الدم، وتدمير كل أشكال الحياة، من أجل وقف الانهيار السريع لأركان الوطن بعد أن صار كل شيء في مرمى النيران، حتى الذاكرة ومعالم المدن وهوياتها، والأمثلة تنتصب صارخة في كل لحظة أمامنا، حمص، دير الزور، حلب، والآن دمشق.
إن ما يفاجئنا به الواقع كل يوم من ملامح غير مطمئنة للمجتمع السوري يزيد الأمر تعقيداً، كممارسات بعض الكتائب المسلحة والتي منها ما يعلن انتماءه إلى «الجيش الحر»، وبعض الكتائب الأخرى التي ترفع راية الجهاد وتحرير الشعب السوري من أنظمته المارقة وفرض الشريعة الإسلامية من خلال فهمهم لها وتبنيها، وذلك بالقوة، وليس ما نسمعه من أهالي بعض المدن عن تلك الممارسات إلا دليلاً يفسر القلق الذي استبد بالمواطنين السوريين، فدفعهم في مسارات مختلفة، ليس أخطرها الهجرة خارج البلد، بل تضييق الخيارات أمامهم ودفعهم إلى الاحتماء بالانتماءات الضيقة أو بالنظام باعتباره، بحسب تقديرهم، الضامن الوحيد لهم في وجه هذا التطرف المخيف، لقد بدأت تظهر في بعض المناطق مجموعات تشبه جماعة الأمر بالمعروف، فتقوم بتكسير المحال التي تبيع الخمر أو تقدمه، وبعضها ينظم الحياة ويديرها وفقاً لهذه المبادئ، كما تشهد بعض المناطق في حلب عمليات تعليمية وتربوية في مدارس يجري فيها فرض الحجاب على الفتيات منذ مرحلة الحضانة والابتدائي، وليس ما قدمه بيان التشكيلات الحلبية بقيام الإمارة الإسلامية سوى تأكيد لهذه المخاوف. هذا التحول أضاف سبباً آخر لتمترس بعض شرائح الشعب السوري وراء انتماءات ضيقة، وساهم ويساهم في صياغة مواقف أكثر تشدداً وميلاً نحو العنف، أو الدفاع المسلح عن الذات، في الوقت الذي تعددت الجهات التي تقوم بتوفير السلاح إلى الناس ودفعهم إلى أتون حرب تحصد كل يوم العشرات وأحياناً المئات، وكلهم من أبناء هذا الشعب.
في الوقت ذاته لم تستطع القوى المعارضة الرقي إلى مستوى العمل السياسي القادر على توحيد الأهداف، وتوحيد الحراك في الشارع، ما زالت القوى المعارضة دون مستوى الحوار والاتفاق أو التوافق في ما بينها، مثلما هي مرتبطة في قسم فاعل منها بأجندات خارجية تجعل الشارع مقسوماً تجاهها بين مؤيد ومبارك لأطروحاتها، ورافض ومشكك فيها.
وإذا كان ائتلاف قوى الثورة قد حظي بمباركة من بعض الجهات الخارجية، فإنه لم يحظَ بقبول شعبي كاف يمنحه الشرعية بأن يكون الممثل المأمول للشعب السوري، خصوصاً لجهة الجهة التي رعته والطريقة التي تم استيلاده بواسطتها.
لقد تعب الشعب السوري، وبات قسم كبير منه يرى أن ما كان لديه من مكتسبات اجتماعية يهدد يوماً بعد يوم، بدلاً من أن يحلم بمكتسبات أكثر ويتقدم خطوات كبيرة في مجال الحريات بكل أشكالها.
مفهوم الثورة بتعريف بسيط، يعني الانقلاب على نظام اجتماعي اقتصادي سياسي وتغييره تغييراً جذرياً. ومفهوم الديموقراطية يحمل في بطانته الكلية معنى الاتفاق بين أطياف المجتمع وتعاقدهم على تأسيس وبناء نظام سياسي مدني يقوم على المواطنة وينحو نحو إقامة دولة مدنية. والثورة هي إرادة الشعوب تعتمد فيها الشعوب على قواها الداخلية، وليست كالنزاعات الخارجية يمكن التحالف فيها مع الأجنبي لكسب المعارك أو الحرب الدائرة. إذا انطلقنا من هذه المفاهيم، فكيف يمكننا قراءة الثورة السورية في المرحلة التي وصلت إليها اليوم، وبعد أن دُفع المنتفضون إلى التسلح، وتحويل نضالهم السلمي في وجه نظام أمعن على مدى عقود في تقليص مساحات الحريات إلى حدّ انتفائها، وحوّل البلاد إلى معسكر غارق في الفساد، محكماً قبضته الأمنية حدّ تهديد الحياة عامة، إلى مواجهة عسكرية فتحت المجال لتحالفات واستقواءات كثيرة بالخارج، فصارت سوريا ميدان نزاع مسلح واسع لكل الأطراف الإقليمية والدولية، وقوده أبناء هذا الشعب؟
باستقراء الواقع والتاريخ الحديث يظهر للناظر أن الاحتجاج نشأ كمخاض لجنين نما في رحم ظروفه وشروطه الاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية، لكن ليست كل الولادات تنتهي مباشرة بوليد متكامل قابل للحياة، وليس كل المواليد مرغوباً بهم من قبل من ينتظرهم، فعمليات الإجهاض وحالات الوأد بالمعنى الحرفي والمجازي ما زالا وسيلة بيد بعض البيئات والظروف، كما أن اختطاف الولدان الجدد وأخذهم في مسارات أخرى بعيداً عن حاضنتهم يمكن أن تخدم غايات ومصالح معينة ظاهرة ما زالت موجودة، والنتيجة هي أن هناك خلطاً بين الإقرار بالثورة كظاهرة اجتماعية حتمية لها أسبابها الموجبة، وبين اعتبارها مفبركة وموجهة من بعض القوى الخارجية، أو على أقل تقدير هناك نية لمصادرتها واستغلالها من بعض القوى بعد أن تبدأ وتتخلق.
وصل النزاع في سوريا إلى مرحلة تحتاج تدبيراً إسعافياً يقوم به عقلاء وحكماء وشجعان ينتمون إلى هذا الوطن من أجل وقف حمامات الدم، وتدمير كل أشكال الحياة، من أجل وقف الانهيار السريع لأركان الوطن بعد أن صار كل شيء في مرمى النيران، حتى الذاكرة ومعالم المدن وهوياتها، والأمثلة تنتصب صارخة في كل لحظة أمامنا، حمص، دير الزور، حلب، والآن دمشق.
إن ما يفاجئنا به الواقع كل يوم من ملامح غير مطمئنة للمجتمع السوري يزيد الأمر تعقيداً، كممارسات بعض الكتائب المسلحة والتي منها ما يعلن انتماءه إلى «الجيش الحر»، وبعض الكتائب الأخرى التي ترفع راية الجهاد وتحرير الشعب السوري من أنظمته المارقة وفرض الشريعة الإسلامية من خلال فهمهم لها وتبنيها، وذلك بالقوة، وليس ما نسمعه من أهالي بعض المدن عن تلك الممارسات إلا دليلاً يفسر القلق الذي استبد بالمواطنين السوريين، فدفعهم في مسارات مختلفة، ليس أخطرها الهجرة خارج البلد، بل تضييق الخيارات أمامهم ودفعهم إلى الاحتماء بالانتماءات الضيقة أو بالنظام باعتباره، بحسب تقديرهم، الضامن الوحيد لهم في وجه هذا التطرف المخيف، لقد بدأت تظهر في بعض المناطق مجموعات تشبه جماعة الأمر بالمعروف، فتقوم بتكسير المحال التي تبيع الخمر أو تقدمه، وبعضها ينظم الحياة ويديرها وفقاً لهذه المبادئ، كما تشهد بعض المناطق في حلب عمليات تعليمية وتربوية في مدارس يجري فيها فرض الحجاب على الفتيات منذ مرحلة الحضانة والابتدائي، وليس ما قدمه بيان التشكيلات الحلبية بقيام الإمارة الإسلامية سوى تأكيد لهذه المخاوف. هذا التحول أضاف سبباً آخر لتمترس بعض شرائح الشعب السوري وراء انتماءات ضيقة، وساهم ويساهم في صياغة مواقف أكثر تشدداً وميلاً نحو العنف، أو الدفاع المسلح عن الذات، في الوقت الذي تعددت الجهات التي تقوم بتوفير السلاح إلى الناس ودفعهم إلى أتون حرب تحصد كل يوم العشرات وأحياناً المئات، وكلهم من أبناء هذا الشعب.
في الوقت ذاته لم تستطع القوى المعارضة الرقي إلى مستوى العمل السياسي القادر على توحيد الأهداف، وتوحيد الحراك في الشارع، ما زالت القوى المعارضة دون مستوى الحوار والاتفاق أو التوافق في ما بينها، مثلما هي مرتبطة في قسم فاعل منها بأجندات خارجية تجعل الشارع مقسوماً تجاهها بين مؤيد ومبارك لأطروحاتها، ورافض ومشكك فيها.
وإذا كان ائتلاف قوى الثورة قد حظي بمباركة من بعض الجهات الخارجية، فإنه لم يحظَ بقبول شعبي كاف يمنحه الشرعية بأن يكون الممثل المأمول للشعب السوري، خصوصاً لجهة الجهة التي رعته والطريقة التي تم استيلاده بواسطتها.
لقد تعب الشعب السوري، وبات قسم كبير منه يرى أن ما كان لديه من مكتسبات اجتماعية يهدد يوماً بعد يوم، بدلاً من أن يحلم بمكتسبات أكثر ويتقدم خطوات كبيرة في مجال الحريات بكل أشكالها.
كاتبة من سوريا
الثورة السورية من أجل «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»؟ http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif
No comments:
Post a Comment