في ظل الغموض الذي يحيط بمصير صفقة السلاح الروسية العراقية، التي أُعلن عنها أثناء زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لموسكو الشهر الماضي، اكتفت مصادر حكومية روسية بالقول: «إن موسكو ستطالب بغداد بتقديم إيضاحات بشأن ما يتردد حول إلغاء العراق للصفقة التي تقدر قيمتها بـ 4,2 مليار دولار». ويبدو أن الحكومة الروسية تجري حاليا مفاوضات بهذا الشأن مع الجانب العراقي لمعرفة ما إذا كانت الحكومة العراقية قد قررت إلغاء الصفقة أم إعادة النظر فيها. ومن المعروف أن هذه الصفقة تشمل نحو 50 منظومة للدفاع الجوي «بانتسير ـ إس 1» و30 مروحية مقاتلة «مي-28 أ«. كما أنه لم يُستبعد أثناء زيارة المالكي لموسكو أن يشتري العراق مقاتلات روسية من نوع «ميغ ـ 29 « المتطورة .
وفي وقت تشير فيه وسائل الإعلام الروسية إلى ضرورة البحث عن الفساد داخل الحكومة العراقية لا في موسكو، تلمح مصادر عراقية إلى أن الفساد في هذه الصفقة كان مشتركا بين مسؤولين عراقيين وروس. وتذهب مصادر صحافية عراقية إلى أبعد من ذلك عندما تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في العاشر من الشهر الجاري أنه أقال وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين لارتباطهما بفضيحة الفساد المتعلقة بصفقة السلاح مع العراق. وتتفق مصادر غير رسمية في البلدين على أن قيمة العمولات من هذه الصفقة بلغت نحو 195 مليون دولار، وأن الخلافات دبت بين «الشركاء» عند توزيع هذا المبلغ. وفي حقيقة الأمر لا يمكن استبعاد شبهات الفساد في هذه الصفقة عندما نعلم أن كلا من روسيا والعراق تحتلان مركزين «متدنيين» في قائمة منظمة الشفافية العالمية للفساد. فالأولى تحتل المركز 143، والثانية في المرتبة الخامسة والسبعين في تلك القائمة.
إن شبهات الفساد هذه، لا ينبغي أن تجعلنا نستبعد العوامل السياسية والصراع على سوق السلاح في العراق بين الولايات المتحدة وروسيا. فالخبراء العسكريون والسياسيون الروس يميلون إلى اتهام الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج بالضغط على عناصر سياسية داخل العراق بهدف إفشال صفقة السلاح الروسية العراقية. ويقول رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العالمية»، فيودر لوكيانوف: «إن الإعلان عن إبرام صفقة السلاح بين موسكو وبغداد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول بدا وكأنه مسألة غير طبيعية في ضوء تعقد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وعدد كبير من البلدان العربية بسبب الأزمة السورية». ويضيف لوكيانوف: «في حال تنفيذ هذه الصفقة، التي هي الأولى منذ إسقاط صدام حسين، كانت روسيا ستحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية بين الدول التي تبيع السلاح للعراق». وبالطبع هذا الأمر لا يمكن ان تستوعبه واشنطن، التي تعتبر العراق ضمن مناطق نفوذها، على الرغم من انها حاولت التقليل من أهمية هذه الصفقة. ولكن الخبير الروسي فلاديمير سوتنيكوف من معهد الدراسات الشرقية في موسكو، وفي تصريح لصحيفة «فيدوموستي» الروسية، يعبر عن شكوكه في إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بوقف صفقة الأسلحة الروسية العراقية، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتاج لروسيا في القضية السورية وقضية الملف النووي الإيراني، وترى مصلحة لها في استقرار العراق ذاته.
ولا يستبعد الخبير الإستراتيجي روسلان بوخوف إمكانية تدخل ممثلي الأكراد لدى المؤسسة الحاكمة العليا العراقية لإفشال صفقة السلاح بين العراق وروسيا، مشيرا إلى أنهم لا يريدون أن تتسلح السلطة المركزية في بغداد بالعتاد العسكري الذي يمكن استخدامه ضد الأكراد مثل طائرات الهليكوبتر «مي-28أ». ومن المعروف أن التحالف الكردستاني العراقي كان يعترض بشدة على هذه الصفقة، حيث حاول رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، اقناع بعض دول الخليج بخطورة تسليح العراق عليهم.
ويفترض محللون روس آخرون أن توقيع شركة «غازبروم نفط» الروسية عقدين للتنقيب عن النفط في إقليم كردستان العراق أغضب السلطات المركزية في بغداد، ودفعها إلى مطالبة الشركة الروسية بإلغاء العقدين، وإلا سوف لن يُسمح لها بالعمل في حقل «بدرة» النفطي. ولكن الشركة الروسية وقعت هذين العقدين في آب/أغسطس الماضي وصفقة السلاح الروسية العراقية أُعلن عنها رسميا في أكتوبر/تشرين الأول. كما أن الحكومة العراقية حذرت أيضا شركات نفطية أميركية تعاقدت مع إقليم كردستان العراق على الأمر نفسه. ولذلك من غير المنطقي أن تكون الحكومة العراقية قد أقدمت على «إعادة النظر» في صفقة السلاح مع روسيا لهذا السبب تحديدا. ولكن ما قد يثير استياء حكومة نوري المالكي هو الزيارة المرتقبة لمسعود البرزاني، رئيس اقليم كردستان، إلى العاصمة الروسية في محاولة للاتفاق على مشاريع جديدة في الإقليم.
لقد كان الروس يعولون كثيرا على صفقة السلاح مع العراق حيث وصفتها وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين بأنها محاولة لإحياء حلف استراتيجي كان قائما بين بغداد وموسكو منذ عقود، ولكن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 قوضه. ونشرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية تقريرا بعنوان: «حلف على المحك» أشارت فيه إلى ضرورة التزام موسكو بتعهداتها تجاه بغداد في ما يتعلق بالأسلحة. ويبدو أن موسكو كانت تراهن بالفعل على تزعم ما يشبه «الحلف»، الذي يضم العراق وإيران، كورقة قوية إضافية في تعاملها مع الأزمة السورية. ففي حال سقوط نظام بشار الأسد يمكن أن يكون العراق حليفا أو شريكا بديلا منه. أما في حال بقاء النظام السوري، فيمكن للرئيس بشار الأسد أن يظل في هذا «الحلف»، الأمر الذي يقوي مواقع روسيا في المنطقة .
يمكن القول إنه سواء ألغت الحكومة العراقية صفقة السلاح مع روسيا أم قررت إعادة النظر فيها عبر التفاوض من جديد بشأنها، وسواء كان ذلك بسبب شبهات الفساد أم بسبب ممارسة الضغوط على حكومة المالكي، فإن هذا سيمثل خسارة لموسكو في ظل تنافسها الجيو ـ سياسي مع واشنطن، وفي ظل أوضاع غير مواتية بالنسبة إليها بسبب الأزمة السورية. كما أن ما يجرى مع هذه الصفقة ربما يعكس بدرجة أو بأخرى تزاوج الفساد والسياسة أثناء عقد صفقات السلاح حول العالم، الأمر الذي لا يقتصر على روسيا والعراق وحدهما.
وفي وقت تشير فيه وسائل الإعلام الروسية إلى ضرورة البحث عن الفساد داخل الحكومة العراقية لا في موسكو، تلمح مصادر عراقية إلى أن الفساد في هذه الصفقة كان مشتركا بين مسؤولين عراقيين وروس. وتذهب مصادر صحافية عراقية إلى أبعد من ذلك عندما تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في العاشر من الشهر الجاري أنه أقال وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين لارتباطهما بفضيحة الفساد المتعلقة بصفقة السلاح مع العراق. وتتفق مصادر غير رسمية في البلدين على أن قيمة العمولات من هذه الصفقة بلغت نحو 195 مليون دولار، وأن الخلافات دبت بين «الشركاء» عند توزيع هذا المبلغ. وفي حقيقة الأمر لا يمكن استبعاد شبهات الفساد في هذه الصفقة عندما نعلم أن كلا من روسيا والعراق تحتلان مركزين «متدنيين» في قائمة منظمة الشفافية العالمية للفساد. فالأولى تحتل المركز 143، والثانية في المرتبة الخامسة والسبعين في تلك القائمة.
إن شبهات الفساد هذه، لا ينبغي أن تجعلنا نستبعد العوامل السياسية والصراع على سوق السلاح في العراق بين الولايات المتحدة وروسيا. فالخبراء العسكريون والسياسيون الروس يميلون إلى اتهام الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج بالضغط على عناصر سياسية داخل العراق بهدف إفشال صفقة السلاح الروسية العراقية. ويقول رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العالمية»، فيودر لوكيانوف: «إن الإعلان عن إبرام صفقة السلاح بين موسكو وبغداد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول بدا وكأنه مسألة غير طبيعية في ضوء تعقد العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وعدد كبير من البلدان العربية بسبب الأزمة السورية». ويضيف لوكيانوف: «في حال تنفيذ هذه الصفقة، التي هي الأولى منذ إسقاط صدام حسين، كانت روسيا ستحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية بين الدول التي تبيع السلاح للعراق». وبالطبع هذا الأمر لا يمكن ان تستوعبه واشنطن، التي تعتبر العراق ضمن مناطق نفوذها، على الرغم من انها حاولت التقليل من أهمية هذه الصفقة. ولكن الخبير الروسي فلاديمير سوتنيكوف من معهد الدراسات الشرقية في موسكو، وفي تصريح لصحيفة «فيدوموستي» الروسية، يعبر عن شكوكه في إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بوقف صفقة الأسلحة الروسية العراقية، معللا ذلك بأن الولايات المتحدة لا تزال تحتاج لروسيا في القضية السورية وقضية الملف النووي الإيراني، وترى مصلحة لها في استقرار العراق ذاته.
ولا يستبعد الخبير الإستراتيجي روسلان بوخوف إمكانية تدخل ممثلي الأكراد لدى المؤسسة الحاكمة العليا العراقية لإفشال صفقة السلاح بين العراق وروسيا، مشيرا إلى أنهم لا يريدون أن تتسلح السلطة المركزية في بغداد بالعتاد العسكري الذي يمكن استخدامه ضد الأكراد مثل طائرات الهليكوبتر «مي-28أ». ومن المعروف أن التحالف الكردستاني العراقي كان يعترض بشدة على هذه الصفقة، حيث حاول رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، اقناع بعض دول الخليج بخطورة تسليح العراق عليهم.
ويفترض محللون روس آخرون أن توقيع شركة «غازبروم نفط» الروسية عقدين للتنقيب عن النفط في إقليم كردستان العراق أغضب السلطات المركزية في بغداد، ودفعها إلى مطالبة الشركة الروسية بإلغاء العقدين، وإلا سوف لن يُسمح لها بالعمل في حقل «بدرة» النفطي. ولكن الشركة الروسية وقعت هذين العقدين في آب/أغسطس الماضي وصفقة السلاح الروسية العراقية أُعلن عنها رسميا في أكتوبر/تشرين الأول. كما أن الحكومة العراقية حذرت أيضا شركات نفطية أميركية تعاقدت مع إقليم كردستان العراق على الأمر نفسه. ولذلك من غير المنطقي أن تكون الحكومة العراقية قد أقدمت على «إعادة النظر» في صفقة السلاح مع روسيا لهذا السبب تحديدا. ولكن ما قد يثير استياء حكومة نوري المالكي هو الزيارة المرتقبة لمسعود البرزاني، رئيس اقليم كردستان، إلى العاصمة الروسية في محاولة للاتفاق على مشاريع جديدة في الإقليم.
لقد كان الروس يعولون كثيرا على صفقة السلاح مع العراق حيث وصفتها وسائل إعلام روسية مقربة من الكرملين بأنها محاولة لإحياء حلف استراتيجي كان قائما بين بغداد وموسكو منذ عقود، ولكن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 قوضه. ونشرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية تقريرا بعنوان: «حلف على المحك» أشارت فيه إلى ضرورة التزام موسكو بتعهداتها تجاه بغداد في ما يتعلق بالأسلحة. ويبدو أن موسكو كانت تراهن بالفعل على تزعم ما يشبه «الحلف»، الذي يضم العراق وإيران، كورقة قوية إضافية في تعاملها مع الأزمة السورية. ففي حال سقوط نظام بشار الأسد يمكن أن يكون العراق حليفا أو شريكا بديلا منه. أما في حال بقاء النظام السوري، فيمكن للرئيس بشار الأسد أن يظل في هذا «الحلف»، الأمر الذي يقوي مواقع روسيا في المنطقة .
يمكن القول إنه سواء ألغت الحكومة العراقية صفقة السلاح مع روسيا أم قررت إعادة النظر فيها عبر التفاوض من جديد بشأنها، وسواء كان ذلك بسبب شبهات الفساد أم بسبب ممارسة الضغوط على حكومة المالكي، فإن هذا سيمثل خسارة لموسكو في ظل تنافسها الجيو ـ سياسي مع واشنطن، وفي ظل أوضاع غير مواتية بالنسبة إليها بسبب الأزمة السورية. كما أن ما يجرى مع هذه الصفقة ربما يعكس بدرجة أو بأخرى تزاوج الفساد والسياسة أثناء عقد صفقات السلاح حول العالم، الأمر الذي لا يقتصر على روسيا والعراق وحدهما.
كاتب وصحافي مصري مقيم في موسكو
صفقة السلاح الروسية العراقية ... الفساد والسياسة
No comments:
Post a Comment