Wednesday, November 28, 2012

عن حرمان المرأة الدرزية من الميراث

علمت أن أعضاء المجلس المذهبي الدرزي في صدد إجراء تعديلات على مضامين قانون الأحوال الشخصية الدرزية، فشئت ان ألفت النظر إلى قضية كبرى تعني غالبية النساء الدرزيات إن لم يكن جميعهن، تبقي أي تعديلات محتملة، جزئية وضئيلة، ما لم يتم التطرق إليها.

في منتصف القرن الماضي، علا صوت الكاتبة النهضوية عفيفة صعب، مطالباً بوضع حد لتعسف الموصي الدرزي باستعمال «حرية الايصاء» المطلقة التي خُصّ بها دون غيره في الطوائف اللبنانية الأخرى، ضد المرأة، زوجة وإبنة خصوصاً، وأحياناً ضد أبنائه الذكور، ومنذئذ لم تكف المرأة الدرزية عن الإفصاح عن الظلم اللاحق بها، وفي العقدين الأخيرين، ارتفع صوت الهيئات والشخصيات النسائية الدرزية مجدداً وهذه المرة على صورة ندوات وورشات عمل ومؤتمرات ومقالات صحافية تطالب فيها بإنصاف المرأة الدرزية في الميراث، معبرة عما يلحق بها عدم الانصاف من أذية أخلاقية ونفسية وحقوقية واقتصادية لا يشعر بها سوى النساء والرجال المنفتحون والإنسانيون، فمن من الرجال يعلن الاستغناء عن ميراث والديه او يرضى بالتعرض للاضطهاد الاقتصادي من قبلهما؟

للدرزي حق الوصية وقد أقرته الدولة العام 1948 على هذا الحق وأطلقت ارادته ويده فيه، فانفرد بذلك عن سائر الطوائف، ومارس حقه مطلقاً من كل قيد، ومنذ 64 عاما فقد الدرزي قدرة التفكير في العدالة، في عدالة ممارسته لحرية الإيصاء بلا نصاب ارثي وبات يستند إلى منطق خاص.

«انني مالك، وأنا حر بالتصرف بما أملك في حياتي وبعد مماتي وهكذا يفعل مجتمعي وأنا أتبع اسلافي ومجتمعي».

هذه الفوضى لا تذهب ضحيتها المرأة فقط بل الرجال أحياناً.

إن الموصي الدرزي لا يزال يعتقد ان الملكية العائلية حكر على ذكور العائلة دون غيرهم، وانه يكفي النساء حق السكن في شقة متهالكة، مما يؤدي عملياً إلى حرمانهن من أي ميراث قابل للاستثمار ومن أي ملكية، أي انه يتبرأ منهن بعد وفاته ويتركهن لقدرهن. لقدر «القطيعة».

ان شرائع المذهب الدرزي والأخلاقيات الدرزية تدعو إلى الأخوة والمساواة والعقلانية والمحبة والعدالة. ان مذهب التوحيد لم يدخل في تفاصيل الميراث، ولكنه في ما يتعلق بالمرأة أعطانا نقطة الانطلاق التي نبحث عنها في قوله:

«إذا تسلم أحد المؤمنين إحدى اخواته المؤمنات يساويها وينصفها في جميع ما في يده».

إن المرأة الموحدة الدرزية التي تتخبط بين حاضر مرير ومستقبل مجهول، قد أنصفها الشرع التوحيدي منذ أكثر من ألف سنة، فسبق انصافه، انصاف اية امرأة في العالم. إن أحكام الوصية لدى الدروز لا تتبع مضامين العقيدة التوحيدية، التي توحد بين البشر، ذكوراً وإناثاً، كما لا تتبع وصايا الامام عليه السلام، التي فسرها الامام السيد عبدالله التنوخي، ولقد استشهد الأمير السيد في وصيته بإحدى الآيات القرآنية الكريمة للدلالة على شروط العدالة في تحرير الوصية وهي «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين» مذكراً بالآية القائلة «ويوصيكم الله أولادهم.. من بعد وصية يوصي بها او دين».

من المفارقة ان القانون الاسلامي القائل بان ترث الأنثى ما يعادل نصف حصة الذكر، أقل ظلماً مما يطبق الآن، بفعل الحرية المطلقة المعطاة للموصي الدرزي. إن ما يحدث على أرض الواقع يعتبر إساءة إلى مفهوم «الحرية» بالذات التي تعني بأحد تعريفاتها الأكثر عقلانية وعملانية، «الاعتراف بالضرورة والقيام بأعبائها» وهي إنما تعني المسؤولية والإدراك والحكمة والعدالة، فالحرية تصبح نقيضاً للعدالة ما لم تستند إلى قانون أخلاقي أساسي وهو «قانون التعامل بالمثل» فالحرية مسؤولية، والتخلي عن المسؤولية هو الوقوع في فخ الأهواء والأغراض الذاتية.

كما ولدت فوضى حرية الإيصاء حالة من اللا مساواة بين الدرزيات أنفسهن من جهة، وباقي اللبنانيات من جهة أخرى، فبعض الأسر الدرزية المنفتحة تنصف المرأة، زوجة وابنة، فيما معظمهن يغمطن النساء حقوقهن، ومنهن من ترث بالصدفة لموت المورث بلا وصية واعتماد الفريضة، كما ان الدرزيات يجدن أنفسهن في حالة دونية مقارنة مع باقي المواطنات اللبنانيات اللواتي يرثن بحكم القانون.

عندما تطرح هذه القضية الإنسانية الحقوقية، بتفاصيلها وارتداداتها المنافية للأخلاق الدينية الدرزية ولشرعة حقوق الإنسان، على المتنورين والمثقفين الدروز، الذي لا يغمطون المرأة الدرزية حقوقها لا في الحياة ولا في الميراث، يجيبون بأن المشكلة لا تكمن في أحكام الوصية وفي المادة 148، بل في أذهان وعقليات الموصين، وما على المعنيين سوى القيام بحملات توعية وإرشاد، يعيدنا هذا الجواب إلى إشكالية نشوء «مفهوم القوانين الملزمة» فلو رأت البشرية ان الموانع الذاتية كافية لتفادي المخالفات والتجاوزات والقبائح التي قد يرتكبها البشر، لما لجأت اليها منذ آلاف السنين، منذ حمورابي وحضارة ما بين النهرين، وإذا كانت نخب الطائفة الدرزية جادة، في وضع حدٍ للظلم اللاحق بالمرأة الدرزية، فهي مدعوة للاقدام على خطوة نهضوية، تجديدية. لقد أقدم المشرعون العام 1948 على خطوة رائدة في هذا المجال، بمنح الزوج والزوجة بدون اولاد الفرض الشرعي من التركة قبل تنفيذ الوصية، سواء أوصى الموصي أو لم يوصِ، (المادة 157 ـ الحالة الثالثة) وقد وجد القاضي الكبير حليم تقي الدين في مضامين هذه المادة ارهاصات الإصلاح والاجتهاد في قانون الاحوال الشخصية عند الدروز، ونفترض ان هكذا خطوة سوف تساوي بين الذكور والإناث، عملا بروح الأخلاق والمعتقدات الدرزية.

محامية في الاستئناف


عن حرمان المرأة الدرزية من الميراث http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment