Sunday, December 30, 2012

أوطان للطوائف

هذه منطقة منكوبة بمكوناتها الطائفية والمذهبية. لم تستطع الخروج من عصر التفكك الى رحابة الوطن، على رغم السنين التي قضتها المجتمعات في ظل ما صار متعارفاً عليه بدول الاستقلال. كل دولة تخرج من هيمنة طائفة لتنتقل الى هيمنة أخرى. لا يعترف أهلها بانتماء وطني يتجاوز حجم جواز السفر.

ولأن مفهوم المواطنة مفقود في بلادنا، تصبح الطائفة هي «الوطن»، يحتمي بها كل من لم تتح له الفرص ان يهرب الى وطن حقيقي آخر، خارج حدود هذه الامة العظيمة. هكذا تصبح التظاهرات والاحتجاجات ضد الحكم المركزي، وهو حكم طائفي بطبيعته، تظاهرات واحتجاجات ذات طبيعة طائفية، يندر ان تجد فيها من ينتمي الى طائفة الحاكم.

في محافظة الانبار العراقية يخرج السنّة متظاهرين ضد هيمنة نوري المالكي الشيعي، وتخالهم مواطنين في بلد آخر. وتسعى الوساطات الى اقناعهم برفع العلم العراقي الجديد بدل العلم القديم ايام حكم حزب البعث. وعندما يصل الامر بعراقيين أن لا يمانعوا في تفضيل ذلك العلم، الذي يفترض ان العراق «تحرّر» منه بفضل التدخل الاميركي، قبل زهاء عقد من الزمن، فلك ان تتخيل الى أين يسير حال العراق بعد هذا «التحرر»!

عندما يتظاهر سنّة العراق رافعين شعار «العزة»، ويسعون للإحتماء برئيس وزراء تركيا من الحكم القائم في بلدهم، فلأنهم يشعرون ان كرامتهم تُمتهن على يد هذا الحكم. ويكفي ان تتكون قناعة لدى غالبية السنّة ان الاتهامات الموجهة الى شخصيات بارزة في صفوفهم مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي هي اتهامات مقصود بها تهميشهم وابعادهم عن موقع القرار، لتدفع الحكم في بغداد، وهو الذي يسعى الى اقامة «دولة القانون» على ما يزعم، الى التوقف عند مغزى هذه الاتهامات والسعي الى استعادة هؤلاء «المواطنين» الى حضن الكرامة الوطنية. غير ان ما يفعله المالكي بحق السنّة لا يختلف عما كان يفعله صدام حسين بحق الشيعة وقياداتهم، من تهميش والغاء واتهام بالعمالة للخارج. وكأن كل ما حصل في العراق هو انتقال من استبداد الى آخر، على رغم الآمال التي علّقت على عملية تقاسم المناصب بين مكونات المجتمع العراقي، والتي يعود الفضل في اتمام صفقتها الى الراعي الاميركي قبل انسحابه.

واذا كان الصراع السنّي – الشيعي لا يكفي لتأجيج النزعات المذهبية في العراق، فهناك بروز الصراع مع المنطقة الكردية، والذي يأخذ طابعاً عرقياً يضاف الى طبيعته المذهبية، والذي يعيد هو ايضاً ذكريات مريرة من المواجهات التي عرفها العراق مع هذا الاقليم في عهد صدام حسين.

لا يختلف ما يجري في العراق عما تشهده سائر دول المنطقة من اصطفاف طائفي بات يشكل خطراً كبيراً على الاتحادات الهشة التي عرفتها هذه الدول. اذ بينما لا تزال تراودنا احلام بناء بلداننا على أسس وطنية سليمة، لا نجد من حولنا سوى صراعات بين الطوائف، من سورية ولبنان الى العراق ومصر، كي لا نعدد اكثر من ذلك. وبينما يلتف مناصرو الحكم من حوله، بهويتهم الطائفية والمذهبية الفاضحة، لا يبقى لخصومه سوى الاحتماء بالضفة الطائفية الاخرى. وهو ما تشهد عليه بوضوح انتفاضة السوريين ضد حكمهم الجائر، الذي لم يتورع عن تدمير المدن الكبرى، بأكثريتها السنّية، كثمن لرفضها هذا الحكم، مطمئناً الى انه، في آخر المطاف، لن يتردد في الانكفاء الى «منطقته» عند شواطىء اللاذقية.

اذا كان من درس تعلمنا اياه تجربة انتقال السلطة في العراق من طائفة متحكمة الى طائفة اخرى، فهي ان التسلط الطائفي، من أية جهة أتى، لا يبني وطناً، وانه اذا كان لدول هذه المنطقة ان تنعم بشيء من الاستقرار الداخلي فلن يكون ذلك سوى عن طريق ارساء مفهوم المواطنة الصحيحة، حيث لا يشعر أي مواطن انه مهمّش، فيما مواطن آخر يتمتع بحصانة السلطة ومكاسبها.


أوطان للطوائف http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment