Wednesday, January 23, 2013

مهما تكن نتائج الانتخابات الإسرائيلية!

مهما تكن نتائج الانتخابات التشريعية في إسرائيل فإنها ستكون قليلة الأثر داخلياً وكبيرة الأثر خارجياً. فعلى الصعيد الداخلي لن تغيّر النتائج تفاصيل أجندة المجتمع الإسرائيلي وفي مركزها العامل الاقتصادي – الاجتماعي والمسألة الفلسطينية والتغيرات الجيو – سياسية في المنطقة. ستظلّ هذه الأمور محور العملية السياسية في إسرائيل بعد انقشاع الضباب الانتخابي.

مثل هذه الأجندة قائمة بتفاوت في موقع المحاور الآنفة الذكر من زمن بعيد. وهو تفاوت نابع من توجهات الاصطفاف السياسي الممسك بدفـــة الحكـــم. ونــرجح أن الأمور لن تشهد نقـــلات نوعية في تعامل النُخب الإسرائيلية مع هذه القضايا وإن كنـــا نرى فروقات ما بين القوى الحزبية الكبيرة فـــي التعاطي مع هذه الأمور. وهــــي تشكل مجتمعـــة مأزقاً إسرائيلياً نشأ منذ انهيار مسيرة التفاوض باغتيال رابين ونشوء نظـــرية القدرة على إدارة الصراع وتصريف المسألة الفلسطينية بأكرَدِتها أو وضعها على الرفّ! بل إن الجولات الانتخــابية منـــذ عـــودة اليمين بقوة هي مفاصل لتخريج المأزق أو تحويلها إلى مهلة أخرى أمام استحقاقاته. وباعتقادنا أن الجولة الحالية لا تشكّــل تمديـــداً آخر للمهلة بقدر ما تشكل مناسبة لاصطفاف جديد في مواجهة هذه الاستحقاقات.

لأن التطورات الإقليمية منذ أوسلو تشير إلى تحولات في الجيو ـ سياسي الإقليمي تضاف إلى ما خبره الإسرائيليون من أثمان التفاوض، رأينا المجتمع اليهودي ينسحب إلى هويته اليهودية. وهي التعويض المباشر ويكاد يكون الوحيد أمام الشعور العام بأن ساعة الحسم قد دقت وأن لا بدّ مما لا بدّ منه خاصة حسم الأمور بين تقاسم الأرض مع الشعب الفلسطيني أو التحوّل إلى دولة أبرتهايد معلنة من خلال بسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية (من البحر إلى النهر) واللجوء كآخر الكولونياليين إلى سياسة الضبط السكاني العزل المكاني للسكان الفلسطينيين. سياسات العبث بالجغرافيا لغرض السيطرة على الديموغرافيا. وهو ما قد يحصل إذا ما فازت أحزاب اليمين الحاكمة حالياً. وترجح الاستطلاعات بنوع من الإجماع أن هذا ما سيحصل.

في مثل هذه الحالة لن تتغير توجهات الحكومة التي ستنشأ حيال المحاور الثلاثة إلا نحو مــــزيد مــــن تعزيز البؤر الاستيطانية ومدّها ومحـــاولة فرض حقائق ناجزة تحول دون تقاسم الأرض كشرط لإقامة الدولة الفلسطينية بجانب إسرائيـــل وإنزال المسألة الفلسطينية عن عربـــة التاريخ إلى موضع ما في هامش الوقت والمكان. وهو السيناريو الأقرب إلى الحصول، الأمر الذي لن يكون فيه أي جديد على الصعيد الإسرائيلي الداخلي سوى أنه سيلتهم في ثناياه المسائل الاقتصادية ـ الاجتماعية لا سيما إذا ما جرى دمج التعامل مع المسألة الفلسطينية مع التحولات الجيو ـ سياسية عربياً وإيرانياً أو مع ملف الإرهاب على عتبة إسرائيل والسيولة الهائلة في الوضع على حدودها كافة.

سيناريو اليمين هذا له أثره الكبير على النظام الدولي وعلى تعامل الخارج مع إسرائيل وسياسات حكومة يمينية فيها تنحو هذا المنحى. فقد رأينا مؤشرات واضحة على أن صبر المنظومة الدولية الأوروبية أساساً والأميركية بدأ ينفد في كل ما يتصل بسياسات اليمين التي تزيد من ارتباك المحور الغربي وتعيق محاولة استعادة سياساته لزمام المبادرة حيال التحولات الجارية. فالنـــزعة اليمينية في إسرائيل أعاقت وتُعيق بشكل كبير احتواء المحور الغربي للصدوع والشروخ المتسارعة في المجال الجيو ـ سياسي الممتد من أفغانستان إلى جبال الأطلس! أما المستويات الشعبية في أوروبا فهي متحمسة نوعاً ما للتعامل مع إسرائيل على أنها دولة أبرتهايد. وباعتقادنا أن تعمق سياسات اليمين ستشكل فاتحة لموجة جديدة أوروبية في هذا الاتجاه.

أما أميركياً فلم يعد خافياً هذا التوتّر على محور تل أبيب ـ واشنطن بخاصة أن نتانياهو وحلفاءه في الولايات المتحدة حاولوا جاهدين منع انتخاب أوباما لولاية ثانية ولم يُخفوا ذلك. بل أنهم راهنوا على انتصار للمرشح الجمهوري يُعقبه فوز يميني في إسرائيل ليشكلا سوية حركة كماشة عابرة للأطلسي. ومن هنا تلك المحاولة المكشوفة من أوباما للتأثير في الناخب الإسرائيلي من خلال التوضيح أنه «لن يرحم نتانياهو» إذا فاز!

وما دمنا في الساحة الأميركية فمن الملاحظ بقاء غالبية ساحقة من اليهود الأميركيين مخلصين لأوباما على رغم اجتهاد القيادة اليمينية في إسرائيل لتأليبهم ضده. هذا ناهيك عن الشعور المتزايد في النُخب اليهودية في أميركا الشمالية أن نتانياهو وتوجهاته السياسية صارت عبئاً عليهم وعلى الإدارة الأميركية وتتعارض بشكل واضح مع مصالح أميركا والغرب ومشاريعه الاستراتيجية بخاصة في مرحلة حرجة عربياً وشرق أوسطياً وإسلامياً.

اعتقـــادنا أن نتائج الانتخابـــات في إسرائيل ستُفضـــي أساساً إلى زيادة حدة التوتر بين إسرائيل من جهة وبين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى. لأن سياسات اليمين تتناقض مع المشاريع الغربية في المنطقة ومع توجهاتها الاستراتيجية في التعامل مع التحولات الهائلة الجارية فيها. وفي السياسة سيهتم الغرب بالحفاظ على مصالحه أو ما تبقى أو ما يستجدّ منها ولو بثمن ليّ يد نتانياهو وائتلافه. وهــو ما تنتظره القوى المعارضة لنتانياهـــو داخل المجتمع الإسرائيلي. فموقف أميــركــــي متشدد وموقف أوروبي مُدين ومُقاطع فــــي المستوى الشعبي هو ما تتمناه هذه القوى التــــي ستستفيد من تعثّر الاقتصاد الإسرائيلي المتـــوقع في المرحلة المقبلة. في مثل هذه الحالة فإن أي ائتــلاف يترأسه نتانياهو بعد الانتخابات لن يدوم طويلاً أو لن يُنهي ولايته كاملة!


مهما تكن نتائج الانتخابات الإسرائيلية! http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment