Monday, January 21, 2013

»ثورة الغاز الصخري« هل تحقق استقلال أمريكا من سيطرة الشرق الأوسط؟

منذ إعلان استقلالها عن التاج البريطاني في العام 1776، ومن خلال شتى الأساليب، سياسية، دبلوماسية، اقتصادية، تكنولوجية وحتى العسكرية، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة ضمان أمن إمداداتها من مصادر الطاقة اللازمة لإدارة عجلة اقتصادها وحماية أمنها القومي، فكان في البداية الفحم، ثم حلت المصادر التقليدية للنفط والغاز، وأخيرًا جاء النفط والغاز الصخري.

وقال مركز الجزيرة للدرسات في تقرير لها عن تلك القضية، أعده الدكتور مصطفي البزركان :” لقد تعرضت الولايات المتحدة على مدى تاريخها إلى أزمات اقتصادية حادة، كان من بين أشدها وطأة أزمة عام 1973، حين قررت الدول العربية النفطية وقف تصدير النفط الخام للغرب، فكان ذلك الحظر النفطي سببًا عظيمًا دفعها إلى التفكير بجدية في متطلبات ضمان عدم تكرار الحظر وتفادي تأثيراته عليها”. ويؤكد كثيرون، أن الولايات المتحدة خاضت حروبًا واشتركت في نزاعات مسلحة خلال العقود الثلاثة الماضية، لضمان مصادرها من الطاقة وديمومة موقعها الاقتصادي القيادي العالمي، كما أنفقت الإدارات الأمريكية المتلاحقة والشركات مئات المليارات من الدولارات، لتطوير التقنيات وإنجاز البحوث والدراسات المتعلقة باستغلال مصادر الطاقة المتجددة (الرياح، الطاقة الشمسية، وطاقة الأمواج المائية)، إضافة إلى تعزيز استخدام الوقود الحيوي، ومن جانب آخر، عكفت الشركات النفطية ومراكز البحوث والدراسات والجامعات إلى تطوير وسائل وتقنيات التنقيب عن النفط والغاز، واستخراج مخزوناتها لضمان الحصول على أكبر إنتاج لأطول فترة زمنية ممكنة، واستمرت الولايات المتحدة في استيراد أكثر من نصف حاجتها من النفط والغاز، كما شجعت شركاتها للاستثمار في الرمال النفطية “رمال القار”، إلى جانب الاستثمار في مشروعات لاستغلال “النفط الثقيل”، وكذلك التنقيب عن النفط والغاز في القارة القطبية.

وأضاف التقرير: “واصلت الولايات المتحدة حرصها على ضمان استمرار استراتيجيتها في مجال الطاقة حتى تفجرت “ثورة الغاز الصخري” قبل سنوات قليلة، هذه الثورة التي لا تقل أهمية في تاريخها الاقتصادي عن ثورة استقلالها عن بريطانيا، وقد تؤدي إلى تحقيق استقلالها عن دول الشرق الأوسط النفطية، لقد قلبت ثورة الغاز الصخري كافة الموازين وخالفت كل التوقعات السابقة بالنسبة إلى مصادر الطاقة، وبرزت خلال السنوات الأربع الماضية ريادة الشركات الأمريكية في طرق تحديد مكامن الغاز الصخري والتنقيب عنه واستخراجه، وستبقى على مدى سنوات طويلة قادمة قائدة العالم في هذا المجال التقني المتطور، لقد دفعت ثورة الغاز الصخري الولايات المتحدة للتخلي “عمليًا” عن كثير من ثوابتها البيئية ومطالباتها بتفادي التغييرات المناخية، والحد من انبعاث الكربون، فبعد أن كانت تروج للغاز الطبيعي بأنه أفضل للبيئة، تحولت لترويج “الغاز الصخري” و”النفط الصخري”، رغم أن أساليب استخراجهما يمكن أن تكون ملوثة للبيئة”.

وأوضح مركز الجزيرة للدرسات: “الولايات المتحدة تؤكد أن هدفها هو العمل على زيادة المعروض وتفادي شحة الإنتاج والمخزون، مما دفعها إلى الإعلان عن توقعات بزيادة كبيرة في إنتاجها من النفط والغازن خلال العقدين القادمين، بما يمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة، بل ويخلق القدرة لديها على تحقيق صادرات أكبر من الغاز”، مما يؤكد أن تحققت تلك التوقعات، أنها ستتحول إلى مصدر صاف للغاز بحلول العام 2016، وأكدت إدارة المعلومات الأمريكية أن استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة كان في العام 2007 يمثل 29% من حاجاتها الكلية للطاقة، في حين مثلت كميات استيراد النفط والغاز والطاقة المتجددة في العام 2011 نسبة 19% من حاجتها، كما توقعت أن يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال على الطلب المحلي في العام 2020.

وتابع التقرير:”الغاز الصخري هو غاز طبيعي يستخرج بطرق دقيقة ومعقدة، ويتم استخدام تقنيات حديثة ومتطورة جدًا لاستخراج الغاز الطبيعي غير التقليدي من طبقات الصخور الزيتية (السجيل الصخري)؛ تتضمن تقنيات الحفر الأفقي وتشقيق الصخور بالسوائل، وتمتاز هذه التقنيات بالدقة والكفاءة العالية، مما أدى إلى خفض تكاليف الإنتاج إلى درجة تدفع البعض للاعتقاد، رغم عدم وجود أرقام موثقة، أن تكاليف مشروعات استخراج الغاز الصخري تكون أحيانًا أقل من تكاليف مشاريع استخراج الغاز الطبيعي التقليدي، ويتم استخدام الضغط العالي للمياه المخلوطة برمال ومواد كيمياوية، لتشقيق وتكسير الصخور الغنية بالغاز في أعماق تتجاوز الكيلومتر، وتؤكد تقارير تتعلق بعمليات استخراج الغاز الصخري، من خلال عملية التشقيق الهيدروليكي، أن ذلك يحتاج إلى حوالي خمسة ملايين غالون من الماء لكل بئر، إضافة إلى ضرورة التخلص من المياه المستخدمة حيث تواجه الشركات مشكلات تتعلق بالمياه المستخدمة في استخراج الغاز الصخري، وأساليب التخلص منها أو معالجتها “.

وأوضح:”لقد تحولت مسألة الغاز الصخري إلى قضية استراتيجية في طروحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالولايات المتحدة، وكان ذلك واضحًا ضمن حملات المتنافسين في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، حين أكد المرشح الجمهوري ميت رومني قائلا: “إن فزت بالانتخابات فسأطبق سياسات تهدف إلى خفض اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الروسية”. وهو بذلك يعني توفير الغاز الأمريكي لسد حاجة أوروبا.

واشار التقرير إلى أنه من المؤكد أن التكنولوجيا المتطورة ستحدث تغيرات كبيرة في أسواق الغاز في العالم، بعد النجاح الذي حققته في تغيير سوق الولايات المتحدة. وستنتقل آثارها من الولايات المتحدة إلى روسيا والصين وأستراليا وسائر الدول، التي تتوفر لديها مخزونات من الغاز الصخري.

وأضاف :” يتوقع البعض حاليًا حدوث ما كان غير محتمل في الماضي، وهو أن تكتفي الولايات المتحدة ذاتيًا، وأن تكون روسيا أول الخاسرين. ولا يخفي البعض شكوكهم بأن موسكو تمول بصورة سرية حملة مضادة للسياسات الاستراتيجية الغربية المتعلقة بالغازط، وتقول فيونا “هل المختصة بالشؤون الروسية بمعهد بروكنغز الاستشاري الأمريكي، إن عهد سيطرة روسيا على أسواق الغاز الأوروبية قد ولى”.

وتابع تقرير مركز الجزيرة للدرسات :”لقد أدى ارتفاع إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل أسواق الغاز العالمية كما شجع عددًا من الدول كالصين وأستراليا والأرجنتين على تطوير احتياطياتها من الغاز الصخري، ويعتبر إنتاج الغاز الصخري خارج الولايات المتحدة حاليًا محدودًا، جدًا، ولا يتوقع أن يتم استخراج كميات تجارية منه قبل حلول العام 2020، وفي أوروبا تم تحديد مواقع احتياطيات الغاز الصخري كما في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا ورومانيا وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة. وبدأت الدول الأوروبية المنتجة للغاز الطبيعي تقييمًا جديًا لخياراتها؛ بشأن إنتاجها وصادراتها، وكانت عمليات استخراج الغاز الصخري قد منعت سابقًا في بولندا وفرنسا وأيرلندا وفي أجزاء من ألمانيا. وتقود بريطانيا حاليًا الاستثمارات في مجال الغاز الصخري تليها ألمانيا، فرنسا، إسبانيا، ومن ثم بولندا، ويحذر مختصون من أن عملية استخراج الغاز الصخري تتسبب في مخاطر بيئية وصحية، من خلال تلويث المياه الجوفية وتلويث الهواء، إضافة إلى إمكانية خلق أوضاع جيولوجية تتسبب في حدوث هزات أرضية، إلى جانب التسبب في التأثيرات المناخية، ويشكك البعض بمدى توافق التقنيات الجديدة، لاستخراج الغاز الصخري مع الضوابط البيئية المطبقة والمعمول بها، ما أثار رفضًا شعبيًا في بعض الدول لمشروعات استثمار الغاز الصخري فيها .

وأكد الدكتور مصطفي البزركان فى تقريره أنه رغم أن استثمار “الغاز الصخري” في الولايات المتحدة ساهم في إعادة رسم خارطة قطاع الطاقة في العالم إلا أنه قد يواجه مشكلات تتسبب في تراجعه في المستقبل ومنها:

أولا: استمرار الأسعار المنخفضة لبيع الغاز في الولايات المتحدة مما يدفع الشركات لخفض عدد الآبار المخصصة لاستخراج الغاز الصخري، وتؤكد إحصائية نشرت في مايو/أيار 2012 أن عدد الآبار العاملة انخفض بنسبة 30% عما كان عليه قبل عام من ذلك التاريخ، وهذا يدفع للاعتقاد بعدم استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة لسنوات طويلة.

ثانيا: تصاعد الشكوك بشأن التأثيرات البيئية لعمليات استخراج الغاز الصخري والتي تتوضح من خلال زيادة الاعتراضات الشعبية عبر حملات رفض تقوم بها منظمات أمريكية غير حكومية تطالب فيها بوقف عمليات استخراج الغاز الحجري وإجبار الشركات على الإعلان عن التفاصيل والمكونات الكيمياوية للمواد المستخدمة فيها والتي تهدد بتلويث البيئة، وذلك يشير إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن التزاماتها المتعلقة بالتغييرات المناخية وتفادي ظاهرة الاحتباس الحراري.

ثالثا: أسواق الغاز الصخري الأمريكية التي في مقدمتها الأسواق الأوروبية والتي تمتاز بأسعار مرتفعة تدفع المنتج الأمريكي لتفضيل التصدير على البيع في الأسواق المحلية الأميركية (السعر يصل أحيانا إلى 4 أضعاف).

رابعا: قد يتسبب الغاز الصخري في خفض اعتماد الولايات المتحدة على نفط وغاز الشرق الأوسط ما سيؤدي إلى تراجع المصالح الأميركية في المنطقة وهذا ما يعترض عليه كثيرون من السياسيين والاقتصاديين الأمريكيين.

خامسا: هنالك دعوات من الصناعيين الأمريكيين تطالب الإدارة الأمريكية بوقف تصدير الغاز من أجل سد حاجة الطلب المحلي والمحافظة على أسعار منخفضة. ولكن المختصين يؤكدون أن الأسواق وليست الحكومة من لديها السلطة على إقرار جهة وسوق بيع الغاز الأمريكي”.

وقال :”لقد أطلقت وكالة الطاقة الدولية تسمية “العصر الذهبي للغاز” على الفترة الحالية التي جاءت معها دلائل على ارتفاع إنتاج الغاز غير التقليدي (الصخري) في الولايات المتحدة وتوقعات بمخزونات كبيرة منه في دول أخرى. ورغم أن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الرئيسة لصناعة الطاقة في العالم ولكن في ظل استمرار ركود الاقتصاد العالمي صار البعض يتوقع تراجع نشاطه حتى يعود للنمو مجددًا، وذلك يجعل الدول المنتجة للنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط عرضة لتراجع الطلب وبالتالي تأثر إنتاجها ما يدفعها لإعادة النظر في برامجها وخططها الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى، وكمثال على ذلك التأثير وإمكانية تفاديه قررت الجزائر وهي رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، تطوير مصادر الغاز الصخري فيها. وأكدت مصادر جزائرية أن احتياطيات الغاز الصخري تصل إلى ستمائة تريليون قدم مكعب (17 تريليون متر مكعب) أي نحو أربعة أضعاف احتياطياتها الحالية المعلنة من الغاز. وقد وقعت شركة النفط والغاز الجزائرية (سوناطراك) اتفاقيات مع شركات عالمية لتطوير مصادر الغاز الصخري.. ويناقش البرلمان الجزائري قانونا جديدا للطاقة يشجع عمليات البحث عن مصادر أخرى للغاز والنفط (النفط والغاز الصخري) ، أما قطر التي تعتبر في مقدمة منتجي الغاز في الشرق الأوسط والعالم والتي تشترك بأكبر مكمن للغاز الطبيعي مع إيران فإنها تعول على إقامة مشروعات مشتركة وكذلك المساهمة في مشروعات دولية تتضمن شبكات لنقل الغاز الطبيعي عبر دول الشرق الأوسط إلى جنوب أوروبا وتوسيع أسواق الغاز الطبيعي مع زيادة الطلب في ظل توقعات بخروج الاقتصاد العالمي من الركود. ويبقى الغاز الأمريكي قليل التأثير عليها بالنظر لاختلاف أسواقهما وموقعها الجغرافي، الذي يدفع إلى تفضيل إنتاجها في دول جنوب وشرق أسيا حاليا ودول جنوب وشرق أوروبا مستقبلا، أما المملكة العربية السعودية وهي أكبر بلد مصدر للنفط في العالم فتسعى لتعزيز إنتاجها من الغاز الطبيعي الذي تحتاجه لتلبية طلب محلي متسارع على الكهرباء ولتغذية صناعة البتروكيماويات ذات الأهمية الإستراتيجية. وتشهد السعودية جهودا مبرمجة لتطوير إنتاجها من النفط والغاز حيث قررت تطوير حقل مدين للغاز الطبيعي في البحر الأحمر خلال العام الجاري (اكتشف في الثمانينيات لكن لم يجر تطويره). وسيبدأ الإنتاج خلال فترة قصيرة لإمداد محطات الكهرباء بالغاز بدلا من الديزل إضافة إلى تزويد مناطق صناعية بالكهرباء والغاز.. كما تعمل السعودية على الاستثمار في إقامة محطات لتكرير النفط الخام لسد حاجة الطلب المحلي ولضمان أسواق أوسع لتصدير نفطها الخام مستقبلا”.

المصدر : بوابة الشروق


-اقتصاد واعمال – الاخبارية


»ثورة الغاز الصخري« هل تحقق استقلال أمريكا من سيطرة الشرق الأوسط؟ http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment