Wednesday, January 2, 2013

الذين لم يصل إليهم الربيع ولا يملكون سوى السأم

الذين لم يصل إليهم الربيع ولا يملكون سوى السأم

يكاد «الربيع العربي» يؤول إلى صراع بين طبقتين أو فئتين لا تجد نفسها فيه غالبية كبرى من المجتمعات، تتطلع إلى الحرية، وتنافس عادل على الفرص، وإدارة عادلة للموارد؛ والتشكل حولها وفق استجابة صحيحة تعظم الموارد وتجددها، وتحسن الحياة. لكن الصراع والتضحيات والتشدد والاعتدال تتجه إلى معركة بعيدة عن ذلك كله، ويتحول المشهد ببساطة إلى طبقة مهددة بالأفول بعدما هيمنت على الموارد والفرص، ولا تعني لها العلمانية سوى استمرار الهيمنة، وطبقة أخرى صاعدة (القادمون الجدد) لا يعني لها الدين والديموقراطية سوى الانتقام وهيمنة جديدة.

الدين والعلمانية والطبقات الوسطى ضحايا في هذا الصراع/ الربيع، ووجد أغلب الناس خياراتهم بين طبقتين لا يجدون انفسهم معهما. لا مكان لهم، فكانوا ضحية النخبة المتسترة بالعلمانية؛ وترعبهم النخبة الجديدة المتسلحة بالدين، لا أحد يريدهم سوى وقود لمعركة ليست معركتهم، وفي الواقع فإنهم مزعجون للفئتين، يشكل وجودهم تهديداً لكل مهيمن، لأنها هيمنة تقوم على الأتباع والمؤيدين والممتنين بلا مشاركة ولا محاسبة، المشاركة مقولة مزعجة تتمنى أطراف الصراع لو تحذف من القاموس.

والحال أن الصراع يحرّف من كونه صراعاً بين النفوذ المتحالف مع الشركات وبين المجتمعات، ويتحول هدفه من «الكرامة» إلى صراع بين الكفر والإيمان أو بين علمانية لا يؤمن بها أحد ودين لا يؤمن به أيضاً أحد، أو دين المعاد إنتاجه على نحو لا علاقة للسماء به.

تبدو الطبقة الوسطى اليوم بأحلامها المفترضة مزعجة، كأنها يجب ألا تكون موجودة، هي عدوّ للنخب المتصارعة؛ لأنها موجودة، ويمكن سماع العقل الباطن للنخب العلمانية والدينية يلعن الجامعات والانترنت؛ وتتمنى بصدق، وربما هي حالة الصدق الوحيدة؛ لو تغلق الجامعات وتحظر الإنترنت. مأزق الطريق الثالث أنه موجود، ولا يستطيع أصحابه أن يكونوا غير موجودين!

وبالطبع، فإن الطبقة الوسطى تتحمل مسؤولية كبرى في تنظيم نفسها حول أولوياتها وفي إنشاء منظومة سياسية واجتماعية تجعل الجدل حول التقدم والتنمية، وإعادة العقد الاجتماعي المنظم للعلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع على أسس جديدة لا مكان فيه للأيديولوجيا، ولكن على اساس حرية الناس وولايتهم على الموارد وتنظيمها، على أساس عادل وصحيح، وأن تفهم الأزمة كما هي بوضوح، أزمة الطبقة المهيمنة منذ قيام الدولة الحديثة، والتي لا يعني الإصلاح بالنسبة اليها وإلينا بالطبع سوى التنازل عن 90 في المئة من مكتسباتها، صحيح أنها مكتسبات تحولت إلى منظومة اقتصادية واجتماعية مكرّسة، وأنها ستدفع إلى العراء والفقر فئات نشأت في هذه المنظومة وكأن ذلك هو الأصل والصواب.

والمشكلة الأخرى للنخب المهيمنة والتي كانت مهيمنة أنها منفصلة عن الواقع وغير قادرة على تصور حجم الوعي الجديد؛ ولا هي قادرة أيضاً على ادراك مدى قوة السأم والطاقة الهائلة والخطيرة الصادرة عنه، سأم المجتمعات والطبقات وأصحاب المهن والأعمال والجامعيين والمتعولمين، والمتطلعين الى الحرية والكرامة. إنه سأم جارف وأخشى أن يتحول في ظل عدم مبادرة هذه الطبقات التي لا تجد نفسها لدى أي من الطرفين إلى تنظيم نفسها خارج الصراع ومحاولة التفاهم مع جميع الفئات ليكون لها مكان من دون إزاحة الآخرين أو القضاء عليهم؛ إلى فوضى جارفة تأخذ كل شيء في طريقها إلى المغامرة والمجهول.

* كاتب أردني


الذين لم يصل إليهم الربيع ولا يملكون سوى السأم http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment