Tuesday, January 15, 2013

علقم التسويات السلمية في سورية

لم يكد يتغير أي شيء في ما خص طريقة استجابة النظام الإرهابية مع الثورة، على رغم تغير كل شيء تقريباً خلال اثنين وعشرين شهراً منذ بدايتها. هذا إذا صرفنا النظر عن تصاعد وتيرة القتل والتدمير وصولاً إلى استخدام صواريخ السكود والسلاح الكيماوي في حربه المفتوحة على سورية.

تصريحات نائب الرئيس فاروق الشرع شكلت اختراقاً طفيفاً لجهة الاعتراف بعجز النظام عن حسم المعركة لصالحه بالمعنى العسكري. بل إن الرجل تمادى فأشار إلى أفق سياسي لتسوية «تاريخية» على حد تعبيره. لكن النظام سرعان ما تنصل من تلك التصريحات على لسان كل من دَبَّ من ممثليه وأبواقه. لا يعنينا ما إذا كان الهدف من كل ذلك هو إطلاق بالونات اختبار بهدف استدراج عروض دولية لتسويات قد تنقذ ما يمكن إنقاذه من السفينة الغارقة، فالأقوال والأعمال يقاسان بنتائجهما، وقد تكفلت مجزرة حلفايا وحدها بنسيان الرأي العام لشخص يدعى فاروق الشرع. أما الجديد في مسالك النظام فهو استعادة الإباحية الطائفية في شرائط فيديو ذكرتنا بالسنة الأولى للثورة حين كان يسرب شرائط مماثلة يدوس فيها شبيحة علويون على رؤوس مواطنين سُنَّة عقاباً لهم على طلب الحرية، ويهتفون بألوهية بشار وهم يقومون بذلك.

لكن لما يسمى بالمجتمع الدولي رأيٌ آخر. الصمت الذي تلا اجتماعات دبلن وجنيف بين الأميركيين والروس والأخضر الإبراهيمي، قد يشير، بخلاف الظاهر، إلى نضوج طبخة ما تناسب المساحة المشتركة لذائقات مختلف الفاعلين الدوليين في المسألة السورية. تصريحات الإبراهيمي التي تشبه إلى حد بعيد شعار الشبيحة القائل «الأسد أو نحرق البلد» لا تبشر بالخير، وتعطينا طرف خيط لفهم نوع الطبخة المسمومة التي يعمل عليها الطاهي الأميركي – الروسي.

يراهن الأميركيون على استسلام الشعب بفعل ما أصابه من إنهاك فظيع على يد النظام الذي فقد بدوره كل مبررات البقاء، حتى لو كان يملك المزيد من وسائل التدمير. الطرفان في مأزق من زاوية نظر المجتمع الدولي. الحل هو في «الحوار» بينهما وصولاً إلى تسوية، كما يريد الإيرانيون والروس، في حين أن الأميركيين يضعون نتائج الحوار الافتراضي هذا مباشرةً من عندهم: رحيل العائلة وبقاء النظام. من يقبل بحل يضرب صفحاً عن الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون من دمهم لاستعادة حقهم في تقرير مصيرهم؟ ليس هناك أي طرف سياسي في المعارضة السورية يمكنه المجازفة بذلك. لكن الأميركي يملك وسائل إضافية لفرض التسوية التي تلائمه، وهي معطيات مجانية لم يبذل أي جهد للحصول عليها: «البديل عن التسوية هو الجحيم» قالها الإبراهيمي بوضوح الشبيحة ووقاحتهم. أو: البديل هو تقسيم سورية إلى دويلات تشكل ضمانة للأقليات الكريمة وغير الكريمة. أو حروب أهلية مفتوحة بين «المكونات» تستمر لسنوات حتى يأتي الجميع صاغرين ليطالبوا المجتمع الدولي إياه بإيجاد أي حل يراه مناسباً. ذلك أن الوجود المحض يأتي قبل الحرية في سلم أولويات أي فرد وأي جماعة. فإذا كان النظام نجح نجاحاً باهراً في تحويل مطلب الحرية إلى مطلب الوجود، يكون بذلك قد سلم مصير سورية والسوريين للطباخ الدولي وأراحه من كل الصعوبات.

المعارضة الممثلة في الائتلاف والمجلس الوطنيين، هي في موقف لعله الأقسى منذ بداية الثورة. ما الذي يمكنها عمله للتصدي للضغوط الهائلة من خارج دولي وداخل وطني يحشرانها في الزاوية الأضيق؟ الخارج الذي يمسك بسكاكينه لتقطيع ما تبقى من أشلاء الوطن، والداخل الذي أنهكه القتل والتدمير وأعاداه إلى عصر الظلام والمجاعة والحطب.

قبول المعارضة بالتسويات المفروضة من المجتمع الدولي يعني إلغاءها لذاتها ومبرر وجودها. أما رفضها لهذه التسويات فهو يحمِّلُها مسؤولية المزيد من الدمار القادم، وهي مسؤولية لا طاقة لأحد على تحملها باستثناء آلة القتل العمياء المسماة بالنظام.

هل هناك مخرج من هذا الوضع؟ هل يمكن للمعارضة أن تمارس دوراً فعالاً في تعديل التسويات الدولية المقترحة؟ أم أن عليها المراهنة على مواصلة الحرب حتى إسقاط النظام عسكرياً أو إضعافه إلى حدٍ يتيح لها التفاوض مع القوى الدولية على شروط أفضل؟

قد يكون من باب التنظير «على المستريح» أن نقول للمعارضة: بقدر ما تدركين قوتك المستمدة من قوة الثورة وروحها العظيمة، بقدر ما تستطيعين فرض شروطك على البازار الدولي المفتوح. لا بد من مواجهة الضغوط الهائلة من خارج ومن داخل.

لا بد من الابتعاد عن ردود الفعل والإمساك بزمام المبادرة. هذا يعني عدم انتظار ما قد يطرحه الفاعلون الدوليون، لتحشر المعارضة في زاوية القبول الذليل أو الرفض العدمي غير المسؤول. هذا يعني طرح تصورك الخاص لحل سياسي يكون أقل إجحافاً بحق ثورة عظيمة لشعب عظيم. اجعلي المجتمع الدولي هو المتلقي المرغم على التعاطي بطريقة ما مع مبادرتك. بهذه الطريقة تحافظين على مبرر تمثيلك للثورة. لعلك تخشين انقسام الرأي داخل المعارضة حول أي مبادرة سياسية قد تطرحينها، وهي المعروفة بهشاشة تماسكها؟ نعم، هو كذلك. لكن السياسة مجازفة، كما كانت ثورة الشعب السوري برمتها مجازفة كبيرة: الحرية أو الموت.

* كاتب سوري


علقم التسويات السلمية في سورية http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment