Tuesday, January 1, 2013

القضية الفلسطينية والمقترحات الروسية للخروج من المأزق

مبادئ التسوية

تتطابق رؤية روسيا للمبادئ الأساسية للتسوية السلمية للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، التي يمكن مناقشتها في مؤتمر موسكو وغيره من المؤتمرات واللقاءات المماثلة، مع موقف المجتمع الدولي وأطراف «الرباعية» الشرق أوسطية. وقد عرض الزعماء الروس وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في أحاديثهم وتصريحاتهم للصحف، مراراً، آراءَ موسكو في أبعاد السلام المحتمل. لقد امتنع الوسطاء الدوليون على مدى عشرين عاما من عملية السلام، عن ذكرٍ مباشر لشكل الحدود بين فلسطين وإسرائيل. فقد ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 مايو/أيار عام2011 خطابا في مقر وزارة الخارجية الأميركية، بعنوان «الربيع العربي»، مما أصبح ردَّ فعل على المتغيرات الجارية في الشرق الأوسط وتغيُّرِ الوضع المحيط بالنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. واصبح أوباما أولّ رئيسٍ أميركي، يعلن عن ضرورة إيجاد حل (بأسرع وقت ممكن) للنزاع، انطلاقا من مبدأ استعادة الحدود القائمة في عام 1967، بتبادلاتٍ طوعية للأراضي. وأيد الطرف الروسي هذه الصياغة. وأكد مدير الديوان الرئاسي (آنذاك) سيرغي ناريشكين أن روسيا تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود المذكورة، على أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لها. وكرّر الرئيس ميدفيديف أثناء لقائه بأوباما في 26 مايو/أيار على هامش قمة «الثمانية الكبار» بمدينة دوفيل الفرنسية، أن روسيا تؤيد اقتراحَه بشأن حدود عام 1967، آخذة بعين الاعتبار المتغيرات التي حدثت بعد حرب الأيام الستة. أما في ما يتعلق بتفاصيل التسوية السلمية، فإن مواقف روسيا منها تتسم بالواقعية. تنطلق موسكو من أن التنازلات يجب ألاّ يقدمها الإسرائيليون فحسب، بل والفلسطينيون أيضا. وتبقى قضية القدس أكثر القضايا «أَلَمًا». وترى وزارة الخارجية الروسية أن الطرفين يجب أن يحلّا هذه القضية أثناء المرحلة الختامية من المفاوضات. ويرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن القدس الغربية ينبغى أن «تُثَبَّت» لإسرائيل، أما القدس الشرقية فيجب أن تعود إلى فلسطين. ولا يُستبعد، في هذا السياق، أن الاماكن المقدسة الواقعة في القسم الشرقي من المدينة، يمكن تسليمها لتكون تحت رقابة الأمم المتحدة أو منظمة «اليونسكو»، أما الهيئة الدولية التي ستتولى إدارتها، فيجب أن تُمَثَّل فيها الأديان الثلاثة، أي اليهودية والمسيحية والإسلام.
وثمة مسألة معقدة اخرى ألا وهي مطلب الفلسطينيين بعودة اللاجئين وعائلاتهم والذين غادروا منازلهم جراء حَرْبَي 1948 – 1949 و1967، إلى إسرائيل. وأشار لافروف إلى أن هذه القضية يجب حلها بعودة عدد «رمزي» من اللاجئين ودفع تعويضات إلى الأخرين، ذلك أن الحديث عن عودة جميع اللاجئين أمر غير واقعي، انطلاقا من سعي إسرائيل للحفاظ على التوازن السكاني والطابع اليهودي للدولة. وتعترف روسيا بأن المطالبة بإجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود من الضفة الغربية أمر غير فعال، وينبغي أن يبحث الطرفان عن حل وسط يتمثل في التعويض ـ «بالأرض» ـ للفلسطينيين عن الأراضي المستوطَنة من قبل الاسرائيليين.

عدم القبول بأعمال أحادية الجانب

يؤدي الطابع المعقد لعملية السلام في السنوات الأخيرة إلى نتائج لا تحقق لفلسطين بسيادة «مرغوب فيها»، ولا تأتي بالأمن لإسرائيل، إلى اتجاه الطرفين إلى الاعتقاد بنجاعة الإجراءات من جانب واحد. وترى روسيا أن المسائل المتنازع عليها يجب حلها بالحوار، ويجب أن يُعترف بها، لأن الخطوات المتخذة بدون مشاورات مع الشريك، تعقّد عملية السلام. ويخص ذلك بالدرجة الأولى النشاطَ الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. ففي 26 سبتمبر/أيلول عام 2010، انتهى الحظر الذي دام عشرة أشهر على بناء مستوطنات في الضفة الغربية. وأعلنت اسرائيل في 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 عن مخططات إنشاء ألف وثلاثمائة وحدة سكنية في القدس الشرقية، وثمانمائة وحدة سكنية في بلدة آريئيل بوصفها إحدى أكبر الوحدات السكنية في الضفة الغربية. ونددت روسيا، شأنها شأن غيرها من أطراف «الرباعية»، باستئناف أعمال البناء في الأراضـي التي سيـتم تحـديد وضـعها الـقانـوني مستـقبلاً، وذلك رغم أن الجميع، بما في ذلك السلطات الفلسطينية، يدرك أن الوحـدات الضخمة للمستوطنات اليهودية ستعود إلى إسرائيل، حتى في حالة حدوث أكثر التطورات ايجابيةً بالنسبة للفلسطينيين. غير أن البناء «داخل المستوطنات» يتسم بأهمية رمزية بالغة بالنسبة للفلسطينيين والعالم العربي، لأن هناك توسُّعا للاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، الأمر الذي لا يساعد على توفير أجواء ملائمة للمفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية.
تحمل الأعمال أحادية الجانب من الطرف الفلسطيني هي الأخرى طابعاً واسع النطاق. فبعد أنْ وصلت المحاولة الأخيرة للبدء بالمفاوضات المباشرة بوساطةٍ من أوباما، إلى مأزق، راهن محمود عباس على إعلان الاستقلال في حدود عام 1967، وقرر العمل على قبول فلسطين، كدولة مستقلة، في عضوية الأمم المتحدة أثناء دورة الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2011. ففي الفترة ما بين أوائل ديسمبر/كانون الأول عام 2010 حتى مطلع يونيو/حزيران عام 2011، اعترفت إحدى عشرة دولة من دول أميركا اللاتينية باستقلال فلسطين ضمن هذه الحدود. وبلغ مجموع الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ضمن حدود غير مرسومة (بموجب إعلان الاستقلال عام 1988)، وضمن حدود عام 1967، زهاء مائة دولة.
تسعى روسيا جاهدة لإبداء الحد الأقصى من المرونة في مسألة الاعتراف بفلسطين؛ فعشية زيارة ميدفيديف إلى فلسطين في 18 يناير/كانون الثاني عام 2011 ، صرح عضو اللجنة المركزية لـ «فتح»، أحد أهم المفاوضين الفلسطينيين، نبيل شعث، في حديث أدلى به لصحيفة «الحياة»، بأن موسكو مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967. وكرر الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع محمود عباس في أريحا، أن روسيا «تؤيد حق الفلسطينيين في إنشاء دولة موحدة (من حيث الأراضي) وغير قابلة للتقسيم»، معيداً إلى الأذهان أن موسكو كانت قد اعترفت بالدولة الفلسطينية في عهد الاتحاد السوفياتي، وأن موقفها إزاء هذه المسألة لم يتغير منذ ذلك الحين. وأشار الرئيس الروسي إلى أن فلسطين يتعين عليها أن تقطع مستقبلا ما تَبَقَّى من طريق يتصل بانشاء دولة مستقلة.
تدعو روسيا إلى حلٍ للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي يقوم على أساس إقامة دولتين، وتسعى لمشاركة كل القوى السياسية في عملية السلام. وترى موسكو أن ضمان نجاح عملية السلام يكمن في توسع إطاره، وجذب المشاركين الاقليميين للمشاركة فيها، لا سيما أن ضمان أمن اسرائيل يجب أن يصبح إحدى نتائج عملية السلام بالنسبة لها. كما ان لدى روسيا مواقعَ لا بأس بها، لتحقيق مبادراتها، كعضو في «الرباعية»، ودولة تتمتع بصفة «مراقب» في منظمة التعاون الإسلامي، وتحافظ على علاقات وثيقة مع العالم العربي. واللفات أن موسكو، وبالرغم من فوارق في مواقفها من القضية الفلسطينية (بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي)، لا تسعى لإزاحة «رعاة» آخرين، بل تحرص على إكمال نشاطهم والتعويض عن العيوب على هذا الصعيد. وتدل الأحداث الأخيرة المرتبطة بانتقال الفلسطينيين إلى أعمال وحيدة الجانب، ومحاولات التصالح بين «فتح» و«حماس»، على أن عملية السلام تواجه صعوبات. فقد أَبْعَدَ «الربيعُ العربي» القضيةَ الفلسطينية إلى الأولوية الثانية، غير أنه اثر تأثيرا ملحوظا في توازن القوى حول فلسطين. ترى إسرائيل القلقة بهذا الشأن، أن ما يُنْقِذُها هو تحوُّلُها إلى قلعة منيعة. وهنا تُطرح في المقام الأول مهامُ تحقيق الاستقرار في العلاقات الفلسطينية – الاسرائيلية، والحيلولة دون انزلاقها إلى مجابهة مسلحة سافرة، وتعزيز المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية لحياة السلطة الفلسطينية، لكيلا تصبح الدولة الفلسطينية بعد إقامتها مستقبلاً، دولةً ذات سيادة فحسب، بل ودولة قادرة على الحياة أيضاً.

باحث في مركز الدراسات العربية الإسلامية
أكاديمية العلوم الروسية
تنشر بالاتفاق مع «شرق نامه» ـ القاهرة


القضية الفلسطينية والمقترحات الروسية للخروج من المأزق http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment