Friday, January 18, 2013

اليمن يسعى لإطلاق حوار للخروج من الفوضى

على رغم ان اليمن منقسم سياسياً ويواجه صعوبات اقتصاديّة، تزيد من حدّتها شكاوى مريرة، ويثقل كاهله تاريخ من الحرب الأهلية، فقد اختار معالجة صعوباته من طريق حوار وطني شامل. وفضّل الحوار على القتال – وهو قرار فيه الكثير من الحكمة. وحتّى الآن، لم يتم الإعلان عن موعد إطلاق الحوار، ولكنه قد يبدأ في وقت قريب جداً لا يتعدّى شباط (فبراير) المقبل، على أن يدوم بضعة أشهر، مستقطباً إلى العاصمة صنعاء ما بين خمسمئة وستمئة شخصية أساسية من كل اطراف البلاد. وتُعلَّق آمال كبيرة على نجاح هذه التجربة الديموقراطية.

ثمّة مبادرة كبرى استحوذت على عقول اليمنيين، مع تعهّد المجتمع الدولي بتوفير إغاثة بقيمة 8 بلايين دولار – فقط في حال تكلل الحوار الوطني بالنجاح، وتمّ إيجاد حل لأكثر الخلافات احتداماً بين اليمنيين. وتهدف الأموال إلى مساعدة الحكومة على إقامة مناخ من الأمن والاستقرار، وتوفير الوظائف والخدمات، وإطلاق عجلة النمو الاقتصادي، واستقدام نحو ستة ملايين يمني من الخارج إلى أرض الوطن، وتعزيز الظروف المناسبة لاستقطاب استثمارات ضرورية جداً إلى الداخل. غير أنّ حصول أي من هذا كله يتطلّب من اليمن الحفاظ على الوحدة بين ابنائه.

هل تتعلّم سورية من التجربة اليمنية؟ لا يسع المرء إلا أن يتساءل حول ما إذا كان الوعد بتوفير المجتمع الدولي إغاثة كبيرة من أجل إعادة بناء سورية، في أعقاب الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب الأهلية، سيشجع النظام وخصومه على وضع حد للاقتتال المريع وعلى منح الحوار فرصة.

في اليمن، يُعتبَر الرئيس عبد ربه منصور هادي المهندس الرئيسي للحوار الوطني، وهو استلم مقاليد الحكم في 27 شباط (فبراير) 2012، بدعم قوي من مجلس التعاون الخليجي. وحلّ مكان علي عبد الله صالح، الذي حكم، بطريقة أو بأخرى، طوال 33 عاماً، أولاً كرئيس لشمال اليمن، من العام 1978 وحتى الاتحاد مع الجنوب في العام 1990، ثم كرئيس لليمن الموحد من العام 1990 إلى العام 2012. ومع أنه ما عاد يقيم في القصر الرئاسي، فان علي عبد الله صالح يبقى رئيساً لحزبه السياسي، «المؤتمر الشعبي العام». إلى ذلك، احتفظ أبناؤه وأشقاؤه وأبناؤهم بمناصب نفوذ في الجيش. ولم يُصدر الرئيس منصور هادي إلا مؤخراً، في اواخر كانون الاول (ديسمبر) الماضي، مراسيم تنص على دمج وحدات بقيادة أقارب علي عبدالله صالح مع وحدات منافسة، على غرار الفرقة المدرعة الأولى بقيادة الجنرال علي محسن، لتتحول على تركيبة عسكرية موحدة جديدة. وبالتالي، انكسرت شوكة هؤلاء القادة. ولكنهم يبقون نافذين على رغم ذلك، وإن كانوا يخضعون لرقابة أكثر تشدداً إلى حد ما.

وأقل ما يقوم عليه الهدف الطموح للحوار الوطني هو اتخاذ قرار حول الشكل الذي ستكون عليه الدولة اليمنية في المستقبل. هل تكون دولة موحدة (وفقاً لما حاول اتفاق الوحدة إنجازه في العام 1990)، أو اتحاداً يضم الشمال والجنوب – أو حتى دولة كونفدرالية لامركزية قد تمنح بعض الحكم الذاتي للأجزاء العديدة المختلفة التي تشكّل الأحجية اليمنية؟ هل يكون النظام اليمني برلمانياً أم رئاسياً؟ هل سيواصل الجيش، ومعه الأجهزة الأمنية – التي تُقسَّم في أكثر الأحيان إلى مراكز نفوذ متنافسة – لعب دور مركزي، غالباً ما يكون فاسداً، من خلال تدخّله في شؤون البلاد؟ أم سيتم ترويضها واخضاعها لسلطة دولة مدنية؟

ما العلاقات التي يجب أن تربط اليمن بجارته المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر قوة نافذة في شبه الجزيرة العربية؟ على مر السنين، اعتمد اليمن إلى حد كبير على المساعدة المالية السعودية. وفي المقابل، شعرت السعودية بالحاجة إلى إبداء رأيها في الشؤون اليمنية، بهدف تجنّب انتشار العنف وعدم الاستقرار إلى داخل حدودها. وفي السنتين الماضيتين، وبعد حرب محدودة في العام 2009، عزّز السعوديون إلى حدّ كبير قدراتهم الدفاعية عند الحدود. إلا أن السعودية واليمن في حاجة إلى بعضهما البعض بطريقة أو بأخرى، وستتطلب علاقاتهما تعاملاً حذراً للغاية.

ومن مصادر القلق الكبرى لليمينيين أن الولايات المتحدة تعتبر بلدهم في صدارة الحرب ضد تنظيم «القاعدة». وفي ظل مخاوف تقوم أساساً على حماية أراضيها من هجوم إرهابي، نفذت الولايات المتحدة عمليات ضد عناصر اسلامية متهمة بالإرهاب في اليمن وفي بلدان أخرى، وخصوصاً من طريق هجمات شنّتها طائرات حربية من دون طيار. وبالنظر إلى أن هذه الغارات تؤدي حتماً إلى مقتل مدنيين أبرياء أيضاً، فقد أججت مشاعر معادية للأميركيين بين شرائح الشعب اليمني – وغالباً ما كان هذا العداء موجهاً ضد الحكومة اليمنية، المتَّهمة بالتواطؤ مع واشنطن. ومن أجل شن الحرب على تنظيم «القاعدة»، سعت الولايات المتحدة أيضاً الى إنشاء قوة يمنية محلية لمكافحة الإرهاب، تكون مستقلة عما تبقى من القوات المسلحة. إلا أن ذلك عزز الانقسامات في أوساط الجيش اليمني، والمجتمع اليمني ككل. إلى ذلك، يشكّل المدى الذي سيتعاون فيه اليمن مع الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب معضلة صعبة بالنسبة إلى الحكومة اليمنية، فهي بحاجة إلى المساعدة الأميركية، ولكن لا يمكنها تجاهل العداء الذي يُظهره قسم كبير من الشعب اليمني إزاء السياسات الأميركية.

وليس هذا سوى عدد قليل من المواضيع الشائكة التي يتوقع أن يتمّ التطرّق إليها في الحوار الوطني، مع العلم أن المشاكل كبيرة إلى حد قد يتسبب بفشل الحوار. ولكن قرار اليمنيين باللجوء إلى الحوار بدلاً من العنف يُعتبر إلى حد كبير خطوة في الاتجاه الصحيح – ومثالاً يُحتذى به من الآخرين.

ولعل تضارب الهويات بين مختلف أرجاء البلاد هو أهمّ مشكلة يواجهها اليمن. فعدن ومحافظات الجنوب – التي رسم معالمهما الوجود البريطاني بين 1839 و 1967، ثم عقدان من الحكم الماركسي – شعرت بخيبة أمل كبيرة إزاء الاتحاد مع الشمال في العام 1990. وفي العام 1994، حاول الجنوب الانفصال، لكنه تعرّض للهزيمة. واليوم، هناك حركة جنوبية نافذة تُعرف باسم «الحراك»، تشعر بالمرارة حيال الفساد، ومصادرة الأراضي، وهجمات القبائل الشمالية، تخوض حملة تدعو للاستقلال الذاتي، أو حتى الانفصال التام.

على صعيد آخر، تشعر محافظة حضرموت وعاصمتها المكلا بالغضب تجاه الحكومة المركزية، إذ تعتقد أنّ هذه الأخيرة تخلّت عنها. وقد تدهور القانون والنظام، وارتفعت كلفة المعيشة بشكل خارج عن السيطرة، في حين أن الغارات التي تشنها طائرات أميركية من دون طيار تثير حفيظة الشعب. ويريد عدد كبير من الحضارمة الانفصال عن اليمن وتشكيل دولة مستقلّة خاصة بهم.

وفي شمال اليمن، في محيط مدينة صعدة، برزت حركة زيدية تُعرف باسم الحوثيين من خلال انتفاضة ضد الحكومة المركزية في العام 2004. وفي السنوات التالية، خاضت جولات قتال كثيرة ضد الحكومة. وهي تبقى غير مروَّضة. ويبدو فعلاً أنها وسّعت نطاق سيطرتها على كل محافظة صعدة.

هل ينجح الحوار الوطني في مصالحة هذه المناطق الشديدة الاختلاف؟ هل بإمكانه أن يشمل ابناء المناطق ويتيح لهم التعامل بجدية مع شكاواهم المشروعة، ويسمح بجمعهم في اطار دولة موحدة؟ هذا هو التحدي الكبير الذي يواجه الرئيس منصور هادي وزملاءه. وسيحتاجون إلى دعم المجتمع الدولي ودول الخليج، لأن «دولة فاشلة» في اليمن قد تهدّد استقرار القسم الأكبر من العالم العربي المحيط بها.

* كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الاوسط


اليمن يسعى لإطلاق حوار للخروج من الفوضى http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment