Saturday, January 19, 2013

لماذا لم يستمع أحد لسعود الفيصل؟! - الشرق الاوسط اللندنية - محمد الرميحي

 محمد الرميحي

هل يمكن اعتبار السنوات والأشهر الأخيرة السابقة لحركات الربيع العربي على إقليمنا هي سنوات الهزل العربي بامتياز في الشكل والموضوع معا؟ وهل لتلك السنوات امتداد وارتدادات تقوم بعملها النشط حتى يومنا هذا؟ بعض الأسئلة التي راودتني وأنا أبحث في أحداث الأشهر الأخيرة السابقة للربيع – إن قبل التوصيف – ربما نقطة البداية في النظر إلى تسلسل الأحداث تنطلق من أواخر شهر مارس (آذار) 2010، حيث كنا على بعد بضعة شهور من حريق – لم يتوقعه أحد – بدأ في تونس وانتشرت شراراته وتفاعلاته وما زالت.

الحدث هو قمة سرت – ليبيا – التي عقدت في 29 مارس من ذلك العام. ربما سوف تشتهر تاريخيا بالصورة المأساة أو المهزلة، وكانت صورة معمر القذافي بملابسه الغريبة، وربما الشاذة، يتكئ في صورة رسمية لمن حضر تلك القمة على كتفي الرئيس السابق حسني مبارك والرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبجانبهما الرئيس السابق زين العابدين بن علي يضحك! تلك الصورة التي أصبحت تاريخية تلخص الوضع المزري لطبيعة بعض القيادات العربية وقتذاك، وتفسر مهزلة التاريخ الحديث للعرب.

أما الاطلاع على الكلمات التي قيلت وقتها فإنها تزيد المحزون حزنا، وإذا أضفنا إليها البيان الختامي الذي صدر وقتها فإن اللاعقلانية تصعد إلى ذروتها، إنه البيان الذي سوف يعتبره المؤرخون بيان نعي النظام العربي كما عرف بعد الحرب العالمية الثانية!

خطاب علي صالح تركز وقتها على الحرب الأهلية التي كانت ناشبة في اليمن، وكانت دورتها هي السابعة.. نعم سبع حروب متتالية مع من سماهم بـ«أصحاب الأجندة الخارجية من أجل تصديع الجبهة الداخلية وعودة حكم الإمامة الكهنوتي المتخلف إلى اليمن»! كلمات كبيرة وضخمة، وربما لم يكن يريد أن يعترف أن حكمه الذي وصفه بالديمقراطية والحر على شفا التهاوي!

فيما بحثت، فإن العديد من المواقع التي نشرت كلمات الرؤساء حضور تلك القمة، كل في دولته، قد أشادت بكلمة «السيد الرئيس» التي «وجدت لها صدى عالميا وعربيا ضخما» وتناقلتها وكالات الأنباء!

ما استوقفني هو كلمة وزير الخارجية السعودي التي قالها نيابة عن الملك عبد الله، والتي أرى – بعد توالي الأحداث – أن أحدا لم ينتبه، أو لم يرد أن ينتبه، إلى مضمونها. لقد تحدثت تلك الكلمة عن «أهمية إصلاح النظام العربي» الذي بدا متهالكا وقتها بين ثورية مزيفة، وتقية لا تخطئها العين، لقد ركزت كلمة الفيصل على أهمية «إصلاح النظام العربي» التي تهالكت منظومته ووصلت إلى حد الترهل، وكانت تنذر بانقسام السودان كمقدمة لعدد من الانقسامات الممكنة والمحتملة. وقتها قال الفيصل إن «الخطط والمشاريع لإصلاح النظام العربي لم تفض إلى نتائج ملموسة، وإن نجاح العلاقة مع الجوار لا يتحقق إلا بعد قيام نظام عربي فاعل وقادر على التعامل مع دول الجوار ككتلة متجانسة. وبناء عليه، فإن من المصلحة التركيز على سبل للنهضة والارتقاء بالعمل العربي، كما أن غياب الدور العربي خلق فراغا استراتيجيا يتم استغلاله من قبل العديد من الدول المجاورة».. تلك الصيحة ذهبت أدراج الرياح، وكأنها صيحة في واد لا بشر فيه ولا يرجع له صدى.

اليوم، لم يعد النظام العربي قائما أو قابلا أن يقوم، ولم تعد حتى سياسة المحاور التي كانت سلبية موجودة. يتشكل اليوم بسبب الفراغ الاستراتيجي العربي نظام إقليمي تتدخل فيه كل من إيران من جهة، وبقوة، وتركيا من جهة أخرى، وبقوة. المشكلة التي تواجهنا – كما قال أحد الخبراء في ندوة علمية بهذا الخصوص – أن الأتراك لا يفهموننا، وأن الإيرانيين يفهموننا ويتعاملون معنا بأسلوب القوة ومنطلق التهديد!

ليس سرا أن الفاعل الإقليمي الأكثر تأثيرا اليوم في كل من العراق وسوريا هو إيران، وربما تقوم – في وقت لاحق – إن تدهورت الأوضاع في سوريا وقرب نظامها على الأفول، بالتدخل المباشر، مستخدمة إما أدواتها التي تم تدجينها منذ فترة، وإما حتى استخدام القوة السافرة.

أما تركيا التي يبدو أن حماسها تجاه ما يحدث في سوريا قد تراجع، وربما لم تجد شركاء عرب يسيرون حيث تريد، فهي تستفيد من أخطاء الخصوم، لا التفعيل الإيجابي لسياسة محددة تجاه ما يحدث.

الخاسر الأكبر هو النظام العربي، الذي بات مفككا وهزيلا، من خلال تراجع الدور المصري، أو قل الخلل في المحور العربي الذي كانت الدول العربية الكبيرة، اقتصاديا وبشريا، تشكل حلقته الفاعلة.

تجري اليوم إعادة هيكلة عميقة في عدد كبير من الدول العربية اقتصاديا وسياسيا، تقود إلى حتمية انتهاء مرحلة النظام العربي القديم بكل إيجابياته ونواقصه كما عرفناها، وتنبئ بظهور نظام جديد، ربما يكون متكئا هذه المرة على تحالفات آيديولوجية قد تتجاوز المنظومة العربية، لتدخل كل أو بعض دول الجوار فيها وينقسم العرب تابعين لهذا المحور أو ذاك، بل قد تلعب إسرائيل دورا ظاهرا أو خفيا في ذلك التمحور الجديد!

لقد هيأت السنوات العشر أو الخمس عشرة السابقة بيئة طاردة للتعاون العربي، وأوهنت عضد الفكرة العربية، جراء انتشار الفساد والبيروقراطية وتهاون دول الثقل العربي من الاهتمام بالمنظومة العربية، مما خلق، كما حذر الفيصل في خطابه المشار إليه، فراغا استراتيجيا، وهذا الفراغ ازداد عمقا بعد تداعيات الربيع العربي، فلم يعد حتى الانسجام الظاهر المحافظ عليه ممكنا. وليس أفضل من قراءة الشعارات التي اجتاحت الربيع العربي، جلها إن لم يكن كلها، منصب على القضايا المحلية، من دون إشارة إلى التكافل العربي وقدرته على صد الهجوم الخارجي الدبلوماسي والسياسي، بل قد رفعت شعارات معادية لبعض العرب.

يبقى السؤال المركزي الأخير: هل يمكن إنقاذ النظام العربي وهو ينهار؟ ذلك برسم من بقي من العقول العربية للإجابة عنه.

آخر الكلام:

وقف وزير الخارجية الإيراني على بوابة الأزهر يوم 10 يناير (كانون الثاني) الحالي يقول: من يسب الصحابة أو السيدة عائشة، فهو ليس من المذهب الشيعي ولا ينتمي إليه بصلة.

 


لماذا لم يستمع أحد لسعود الفيصل؟! - الشرق الاوسط اللندنية - محمد الرميحي http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment