Monday, January 21, 2013

أسرار سجن طره: عزمي والفقي أسكتتهما الصدمة وسرور وصل مع أنصاره.. والمغربي أراد الرحيل إلى سجن آخر ( 2 من 4) - الحياة اللندنية - القاهرة

القاهرة – محمد صلاح

بعدما تحدث عن «الصدمة الأولى» لبعض رجال نظام مبارك، التي ضربتهم في اللحظات الأولى عند وصولهم إلى سجن طرة، يواصل مساعد رئيس قطاع السجون المصري السابق اللواء محمد حمدون شهادته على يوميات رموز حكم النظام السابق في السجن، وفي الحلقة الثانية منها يروي لـ «الحياة» كيف كان اليوم الأول لوزير الإعلام السابق أنس الفقي ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي في السجن، وكيف بدا الأخير غير مدرك واقعَه الجديد، فأسكتته الصدمة حتى عن أي طلب. لاحظ اللواء حمدون أن رئيس البرلمان السابق فتحي سرور الوحيد من بين رموز النظام السابق الذي أصر مئات من أنصاره على مرافقته من مقر التحقيقات وحتى أبواب السجن حيث جرى توديعه عند الباب الخارجي. وتحدث عن صرخات رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ الذي بدا طوال فترة سجنه وكأنه يغني خارج السرب، إذ ظهر أن علاقاته برموز نظام مبارك محدودة، وعلى رغم أن معظمهم كانوا يتحدثون دائماً عن كونهم يحاكمون في قضايا سياسية تحت غطاء جنائي فإن الشيخ كان يصر على أنه بريء تماماً لأن لا علاقة له بالسياسة أو الفساد.

ويروي تفاصيل أول صلاة جمعة اجتمع فيها رموز النظام السابق داخل السجن في مكان واحد، ولماذا كان مسؤولو السجن يخشون وقوع مشاجرات بينهم.

إلى الحلقة الثانية من حوار «الحياة» مع اللواء محمد حمدون:

> لماذا اُختير سجن مزرعة طرة تحديداً لرموز النظام السابق أولاً ثم تم توزيع بعضهم على سجون أخرى في مراحل لاحقة؟

- سجن المزرعة بات أهم سجن في مصر واتجهت إليه أنظار العالم قاطبة بعدما بدأ باستقبال رموز النظام السابق، وهو سجن يضم مستشفى أنشئ أيضاً في عام 1941 أيام الاحتلال البريطاني، ليكون مقراً لعلاج قوات الاحتلال والآن لعلاج النزلاء، وهو مستشفى صغير يضم عنبرين متقابلين، ينزل في أحدهما الآن الرئيس المخلوع حسني مبارك وفيه حوالى ست غرف عند مدخله، ويضم عيادات للأسنان والباطنة والأشعة ومكاتب إدارية للأطباء. ولأن رجال النظام السابق احتُجزوا أولاً احتياطياً على ذمة تحقيقات أو محاكمات فكان خروجهم ورجوعهم إلى السجن يتم في شكل شبه يومي لغالبيتهم وبالتالي احتجنا إلى تجميعهم أولاً في مكان واحد بعيد نسبياً من باقي السجون التي تقع داخل نطاق منطقة طرة.

والسجن يضم عنبرين، الأول على يمين الداخل هو العنبر الجنائي للأموال العامة، والثاني أقصى الشمال لعناصر النظام السابق، وأمامه خُصص مكان لزيارة رموز النظام السابق، أنشئ حديثاً بعد زيادة عدد السجناء من الشخصيات المهمة بعد الثورة.

وجرت العادة في قطاع السجون على حبس العناصر ذوي النشاط الإجرامي المحدود بعيداً من مرتكبي جرائم القتل والعنف طبقاً لقواعد صارمة للتصنيف في قطاع السجون حتى لا يختلط الحابل بالنابل والمجرم العنيف بالإنسان العادي الذي وضعته الظروف داخل السجن، علماً أن النزلاء في سجن المزرعة تطبق عليهم اللوائح والتعليمات نفسها التي تطبق على باقي السجناء من مواعيد فتح الزنازين وغلقها وكذلك الزيارات، ولا توجد استثناءات في المعاملة أو في اللوائح المطبقة داخل السجن لأي من النزلاء، فضباط الإدارة ينأون بأنفسهم عن أي لوم بسبب أي قصور في تطبيق التعليمات، سواء الأمنية أو الإدارية. ومع توالي وصول رموز النظام السابق إلى السجن تم تشديد التعليمات بضرورة الالتزام بألا توجد أية استثناءات في المعاملة، خصوصاً أن التوقعات كانت تدل على قدوم المزيد من السجناء، وهو ما تم بالفعل. كذلك لأن شيئاً لم يعد من الممكن إخفاؤه وأي تجاوز ستتلقفه وسائل الإعلام وتستغله خصوصاً في أجواء كانت الشرطة عموماً تعاني من تراث الماضي.

> بعد القيادات الأمنية سُجن وزير الإعلام أنس الفقي ورموز صحافية وإعلامية، هل اختلفت مشاعرهم عن سابقيهم؟

- في مساء يوم 19 شباط (فبراير)، وبعدما تم إيداع حبيب العادلي في زنزانته حضر إلى السجن عهدي فضلي رئيس مؤسسة «أخبار اليوم» الصحافية السابق بعد أن صدر قرار بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات ووجهت له النيابة العامة تهمة التربح والإضرار بأموال جهة عمله ومصالحها، ونزل من سيارة الترحيلات في صدمة وفي حال من الصمت لا يظهر من ملامحه إلا بريق عينيه من خلف نظارته. مشى فضلي إلى بوابة السجن ببطء وبدا متعباً، واستقبله مأمور السجن وكالعادة ومثل غيره ممن سبقوه أظهر استسلاماً لوضعه الجديد ولم تكن له أية مطالب، ويبدو أنه كان أيقن أن لا استثناءات، فلو كانت وجدت ما كانت قادته إلى هذا المصير. كما أن المعلومات التي كانت وسائل الإعلام تداولتها عن ظروف سجن المغربي وجرانة ثم العادلي ومساعديه أكدت له أن من كانوا في مواقع أهم من موقعه سبقوه إلى الزنازين.

الفقي متماسك والشيخ يصرخ

وفي 24 شباط حضر أنس الفقي وزير الإعلام السابق ومعه أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق متهمين بقضايا فساد تضم بعض المخالفات المالية، ومرا بالسيناريو نفسه وجرت معهما إجراءات القيد والتسجيل ثم التوزيع على الزنازين. دخلا أولاً مكتب مأمور السجن في استسلام تام، كان الفقي متماسكاً وصامتاً غالباً لكن، في المقابل فإن أسامة الشيخ بدا غير مصدق ما يحدث حوله، فظل يقول: «أنا لم أفعل شيئاً مخالفاً أنا كنت دائماً أحافظ على أموال الدولة وكل أملي زيادة دخل الاتحاد… هل هذا مصيري بعد كل هذا المجهود؟ يعلم الله أنني بريء، بل هم يعلمون أنني كذلك… حسبي الله ونعم الوكيل». كانت تبدو على الرجل علامات الحزن والاكتئاب، وظل طوال فترة وجوده في غرفة المأمور يدعو الله فك أسره من محبسه، وطالما تحدث خلال شهور سجنه عن أن الأقدار أزاحت به إلى هذا الأسر من دون ذنب أو جريرة وكان دائماً يقول: «أي ذنب اقترفته، بالعكس لقد قمت بتطوير التلفزيون وأصبح تلفزيوناً تتشبه به كل الدول المجاورة»، والحق أن بعض رموز النظام السابق أنفسهم استغربوا وجود الشيخ بينهم ولم يكن بعضهم يخفي تعاطفه، وبعضهم قال لي إنه نجح في تحقيق ربح للدولة يبلغ 164 مليون جنيه في آخر شهر رمضان قبل الثورة، وهمس البعض واعتبر أن الشيخ كبش فداء لغيره، لأنه كان مجرد مسؤول إداري وليس سياسياً.

أما أنس الفقي فعلى رغم تماسكه إلا أنه كان زائغ النظرات لا يتحدث مع أحد وكأن هول الصدمة سيطر عليه حتى تم نقله مع الشيخ إلى عنبر مجاور لعنبر مساعدي وزير الداخلية الشاعر وفايد وعبدالرحمن وهما في استسلام تام وإعياء واضح ولم يطلبا سوى أدوية علاجية من ذويهما، وسعى الفقي إلى إظهار أن ما يجري معه تصفية حسابات وحرص على إخفاء التوتر الذي سيطر عليه، لكنه أحياناً فشل في الحفاظ على تماسكه، فمشيته إلى الزنزانة كشفت ارتباكه وتوتره وربما خوفه من المصير الذي ينتظره.

> قضية موقعة الجمل، أسقطت عدداً كيبراً من رموز النظام، دخلوا إلى السجن دفعة واحدة ماذا فعلوا وكيف كان الوضع؟

- في يوم 13 آذار (مارس)، بدأت التحقيقات في موقعة الجمل وكان أول المحبوسين الاحتياطيين هو عبدالناصر الجابري عضو مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم والعمرانية، وحضر الرجل وكان منهك القوى ووجهه تبدو عليه علامات السواد التي تختلط بالإصفرار، حيث أنزل من سيارة الترحيلات وهو يتمايل من شدة الآلام ويتكئ على بعض أفراد الترحيلات، ودخل مكتب مأمور السجن وهو لا يقدر حتى على الكلام، وطلب شربة ماء وبعض العلاج، وتم إسكانه في أحد العنابر الملحقة بالعنبر الرئيسي بجوار أسامة الشيخ، وظهر بعد ذلك أنه كان مريضاً وظل أكثر السجناء هدوءاً حتى نقل إلى المستشفى ثم أفرج عنه صحياً حيث توفي هناك.

في 9 نيسان (أبريل) حضر في المساء ماجد الشربيني أمين التنظيم السابق بالحزب الوطني المنحل محبوساً على ذمة التحقيقات لإتهامه بالتحريض على قتل المتظاهرين في قضية «موقعة الجمل»، ودخل مكتب المأمور، ومنه إلى زنزانته في أحد العنابر.

وبدأت أعداد المسجونين من مسؤولي النظام السابق تتزايد ومعها بالطبع ارتفع مستوى الكآبة والحزن على الوجوه البائسة التي لا حول لها ولا قوة إلا بقايا النظرات والحسرات، ينظر بعضهم إلى بعض في حزن ويأس، لا يتبادلون كلمات إلا في الصباح عندما تلتقي الوجوه، إذا تلاقت بكلمة صباح الخير فقط من دون سواها، ومناخ الحزن الكئيب هو السائد بين الجميع ولا يوجد سوى التحرك الصباحي إلى النيابات لاستكمال التحقيقات. حيث فرصة لقاء السجناء بأعضاء الدفاع عنهم أو بعض ذويهم الذين كانوا ينتظرونهم في مقار النيابات. وبحكم الخبرة كنا ندرك أن الأيام الأولى للسجين هي الأصعب حيث يمر الوقت بصعوبة شديدة، فاليوم الواحد كأنه سنة كاملة، كما أن أسلوب الحياة داخل السجن لا يعتاد عليه السجين خصوصاً مثل هؤلاء إلا بعد فترة حتى لو قبلوا بالأمر الواقع.

صفوت الشريف يفقد صلابته

جاء يوم 11 نيسان عندما حضر رئيس مجلس الشورى الأمين العام للحزب الوطني المنحل صفوت الشريف وكان خبر صدور قرار بحبسه احتياطياً وصل إلى الجميع أو قل إنه كان قراراً متوقعاً، فالشريف كان رمزاً مهماً من رموز نظام مبارك ورجاله ووجوده داخل السجن في ذلك الوقت أمر منطقي، ومر الشريف كالآخرين بالدورة نفسها ولكن، فوجئنا بأنه رجل عجوز يمشي بصعوبة بالغة وتبدو عليه علامات الكبر والشيخوخة، وجلس في حجرة المأمور وطلب كوباً من الماء وكل ما صدر عنه نظرات تائهة حزينة إلى أن تم تجهيز زنزانته مع الآخرين وانتقل إليها في هدوء وسكينة. وبدا الرجل العجوز غير مصدق واقعه الجديد على رغم ما عرف عنه من صلابة، وكان كسابقيه من زملائه مستسلماً، لكنه حريص على «برستيجه» أو هيئته وصورته أمام الناس حتى إنه لم يسعَ إلى الدفاع عن نفسه أو كسب تعاطف من حوله.

في اليوم نفسه حضر أيضاً وليد ضياء وشريف والي، وهما من قادة الحزب الوطني، محبوسين 15 يوماً على ذمة التحقيقات في موقعة الجمل أيضاً، وكانا سجينين مثاليين من حيث إطاعة الأوامر والانضباط حيث تم إسكانهما في زنزانة واحدة، والغريب أنهما كانا دائماً متفائلين وفي وجههما ابتسامة أثارت اندهاش المحيطين.

في مساء 14 نيسان 2011 حضر المحامي المعروف مرتضى منصور من مستشفى القوات المسلحة في المعادي بعد أن انتابته أزمة قلبية وتم نقله من المحكمة التي كانت تنظر في قضية موقعة الجمل إلى المستشفى وبعد توقيع الكشف الطبي عليه عُلم أن حالته يمكن أن تعالج في مستشفى سجن المزرعة وحضر بالفعل في سيارة إسعاف ودخل بالفعل مستشفى سجن المزرعة لمتابعة حالته الصحية.

صلاة الجمعة

وفي صباح يوم الجمعة توجهنا إلى السجن لملاحظة الحال الأمنية وتأدية صلاة الجمعة في المسجد الملحق بالسجن، وهو عبارة عن مسجد صغير لا تتعدى مساحته المئة متر مربع، موجود في آخر عنابر الحجز وخلف المستشفى من الناحية الجنوبية، وأثناء وجودي مع مفتش مباحث السجن آنذاك العميد محمود نافع وقبل رفع الأذان بقليل حضر مرتضى منصور من المستشفى حاملاً في يده سجادة صلاة وصافحناه، وقلت له: «حمدلله على السلامة»، فضحك ورد قائلاً: «أنا متعود على كده على فكرة أن اتحبست علشان بدافع عن الداخلية… عاوز أصلي الجمعة ممكن أصلي فين». كنا على وشك التحرك أنا والسيد مفتش المباحث لتأدية الصلاة في المسجد طبعاً عندما ظهر مرتضى». وكنا نعلم جيداً مدى الخلاف الفكري والسياسي بينه وبين غالبية من يؤدون الصلاة في المسجد فقلنا له: «يا أخ مرتضى هنا في هذا السجن لا يوجد إلا مسجد واحد فقط وزملاؤك المحبوسون الآن موجودون داخل هذا المسجد لتأدية الصلاة فهل أنت على استعداد أن تصلي معهم». فنظر إلينا نظرة حادة، وقال: «يا بهوات أنا مرتضى منصور أنا أبو الرجالة… هنا حال وفي الخارج حال آخر نحن هنا جميعاً زملاء وأنا أضع الجميع فوق دماغي، ونحن الآن إخوة وحركتنا جميعاً مقيدة»، فوضعت يدي على كتفه وقلت له: «اتفضل يا أستاذ مرتضى»، ووصلنا إلى المسجد وكانت خطبة الجمعة بدأت، فأخّرت خطاي وقدمت مرتضى منصور ومن حضر من المصلين كي أرى وقع المقابلة وردود الأفعال، وإذا بالرجل يتقدم ويصافح الجميع حيث كان يجلس مساعدو وزير الداخلية جنباً إلى جنب على الحائط الأخير في المسجد فصافحهم منصور وجلس. ومرت صلاة الجمعة الأولى في هدوء ومن دون صخب وكنا نحسب لمشاجرات توقع بعضنا أن تقع نتيجة خلافات سابقة أو إذا ما ألقى أحدهم باللوم على الآخرين بالتسبب في سقوط النظام لكن، بدا أن كل واحد منهم يفكر في مصيره ولا شيء آخر.

وتتوالى الأحداث ويأتي يوم 19 نيسان ليحضر رجل الأعمال المعروف إبراهيم كامل محبوساً لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق في موقعة الجمل أيضاً ليأخذ دوره مع زملائه السابقين وفي عنبر منفرد.

أنصار سرور لا يتركونه

وفي مساء يوم 20 نيسان حضر رئيس البرلمان السابق فتحي سرور محبوساً لمدة 15 يوماً في موقعة الجمل وأظهر أنه الرجل الأكثر شعبية بين كل أقطاب النظام السابق، فعندما وصل حوالى الساعة التاسعة مساء، جاء وراءه الكثير من أنصاره من أبناء حي السيدة زينب، حيث امتلأت الساحة أمام مدخل منطقة سجون طرة الرقم (7) على طريق الأوتوستراد بالعشرات الذين حضروا خلفه وانتهى بهم المطاف إلى الوقوف خارج البوابة العمومية للمنطقة ودخل هو في سيارات الترحيلات إلى حجرة المأمور وجلس متأملاً سائلاً مأمور السجن عن ماهية الملابس التي يمكن ارتداؤها داخل السجن، فأجابه بأنها ملابس السجن الاحتياطي البيضاء، فأوصى مرافقيه بإحضارها، وكانوا أحضروا له في الحال مرتبة كبيرة من نوع «يانسن» الصحية العريضة، ودخل العنبر مرافقاً لشريف والي ووليد ضياء الدين القياديين في الحزب الوطني السابق لحبسهما يوم 11 نيسان في موقعة الجمل حيث قاما بمساعدته بالفعل في تجهيز الإقامة وفرش المرتبة ووضع حوائجه في دولابه الخشبي لكبر سنه وعدم قدرته على خدمة نفسه.

وحضر أيضاً مساء يوم 21 نيسان رئيس اتحاد عمال مصر السابق حسين مجاور محبوساً في موقعة الجمل، وكان دائماً مكتئباً، ودأب على التأكيد للضباط أنه «مظلوم» وأنه لم يرتكب ما يستوجب سجنه، وكان حضر معه أيضاً النائب السابق يوسف خطاب متهماً أيضاً في موقعة الجمل حيث تم إسكانهما سوياً في عنبر مستقل.

وفي مساء 17 أيار (مايو) حضر رجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب السابق محبوساً 15 يوماً على ذمة التحقيق في موقعة الجمل، فوضع مع زملائه وكان دائماً يعيش منفرداً حزيناً لا يكلم أحداً إلا عند اللقاء في مسجد السجن.

زكريا عزمي فاقداً سطوته

> في شهر نيسان أيضاً سُجن رئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي بعدما تحدث إلى برامج الفضائيات من منزله عبر الهاتف عن أنه مستمر في موقعه، هل ظهر بالقوة نفسها التي تحدث بها قبل أيام من سجنه؟

- في يوم 7 من الشهر نفسه تناهى إلى أسماعنا قدوم زكريا عزمي إلى النيابة للتحقيق معه وفي المساء خرجنا إلى الساحة المواجهة للباب الرئيسي للسجن ووجدنا سيارة الترحيلات التابعة لمديرية أمن حلوان، يتقدمها بعض القيادات ووصلت إلى باب سجن المزرعة وبدأ السيناريو نفسه، فتح الحراس الباب الخلفي للسيارة الذي كان قريباً من البوابة العمومية للسجن ونزل رجل الديوان الرئاسي الأول، وبدا هزيلاً ضعيفاً وفي جواره حارسه الذي كان يتكئ عليه، حيث كان مصاباً بالإعياء، وأخذ يلتفت بعينيه إلى اليمين وإلى اليسار ليأخذ ضابط الحراسة بيده قائلاً له: «اتفضل الباب أمامك». لم ينبس الرجل ببنت شفة بل توجه إلى باب السجن ومنه إلى حجرة المأمور، دخل وجلس متكئاً وظل ينظر حوله في وجوه الجميع وفي حجرة مأمور السجن من أعلى إلى أسفل، ويتأمل ما لم يره قبل ذلك، كل ذلك والمأمور يتخذ إجراءاته في تجهيز عنبر الإعاشة الخاص «بالنزيل» واتخاذ الإجراءات اللازمة.

قام زكريا عزمي مستئذناً من مأمور السجن للدخول إلى دورة المياه الملحقة بحجرته، وفي لحظات استسلم للواقع وخرح من دورة المياه إلى عنبر حجزه مرافقاً للمأمور والحراسة اللازمة إلى أن وصل إلى العنبر المخصص له وهو العنبر المجاور لمحمد إبراهيم سليمان، ودخل إلى عنبره بعد أن سلمت له الملابس البيضاء المخصصة للمحبوسين احتياطياً واستأذن المأمور أن يطلب من أهله ملابس بيضاء…

بدا الرجل أضعف مما هو معروف عنه من سطوة وقوة ونفوذ داخل البلاط الرئاسي، فربما يكون أدرك أن زمن السلطة انتهى وأتى وقت الحساب. ولم يظهر عزمي أي نوع من التمرد على التعليمات واللوائح. واللافت أنه كلما خرج من السجن إلى التحقيقات يعود مكتئباً للغاية وكأنه كان يشعر بأن الفترة المتبقية له في الدنيا سيقضيها خلف الأسوار.

الوحيد الذي أراد منذ البداية نقله من سجن المزرعة إلى أي سجن آخر هو وزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي، فقد طلب ذلك علانية وهو بدا دائماً ضجراً من هذه «الصحبة» ربما لكونه رجل أعمال كبيراً في الأصل قبل أن يكون وزيراً، وشعر بأن المنصب التنفيذي أوقع به وقاده إلى ذلك المصير.

«إيراد طرة»: بدأ بعزّ والعادلي… وانتهى بمبارك

بعد أسبوع واحد من نجاح الثورة المصرية في إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، تحول سجن «طرة» الواقع جنوب العاصمة المصرية، إلى ما يمكن وصفه بمعسكر «تهذيب وإصلاح»، لأركان النظام السابق، فكانت البداية بأصدقاء النجل الأصغر للرئيس السابق جمال، قبل أن يتهاوى رجال الرئيس السابق، وصولاً إلى مبارك نفسه الذي ظل يقبع داخل مستشفى السجن، حتى لقب السجن المطل على نيل القاهرة، بـ «جمهورية طرة»، وفي أحيان أخرى أطلق عليه «بورتو طرة».

في مساء يوم الجمعة 18 شباط عام 2011، فوجئ سجناء طرة، بأن ضيوفاً «ثقال الظل» سيقتسمون معهم فراشهم، ففي هذا اليوم صدر قرار بتوقيف كل من: رجل الأعمال الشهير بـ «إمبراطور الحديد» أحمد عز، ووزير الإسكان السابق أحمد المغربي ووزير السياحة زهير جرانة، وسجنهم 15 يوماً على ذمة تحقيقات في شأن اتهامات متفرقة بـ «الفساد واستغلال النفوذ»، لم تمضِ ساعات قليلة ليكون نزلاء السجن أمام مفاجأة كبرى، فضيفهم هذه المرة بحجم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ومعه أربعة من مساعديه يتقدمهم مدير جهاز أمن الدولة حسن عبدالرحمن الذي تم حله بعدها، ومدير أمن القاهرة السابق إسماعيل الشاعر ومدير الأمن العام عدلي فايد، إضافة إلى مدير الأمن المركزي أحمد رمزي، على خلفية اتهامهم في قضية قتل «الثوار»، قبل أن يطلق سراح مساعدي العادلي بعدما برّأهم القضاء من تلك الاتهامات، لم تمضِ أيام طويلة حتى قدم زائرون جدد أو من باتوا يسمون بين سجناء طرة بـ «الإيراد» ففي 19 شباط، زاد إيراد السجناء مع رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم السابق عهدي فاضل الذي أصدرت نيابة الأموال العامة العليا قراراً بحبس السابق 15 يوماً على ذمة تحقيقات بـ «التربح والإضرار بأموال ومصالح جهة عمله»، وفي 24 من الشهر نفسه ألقت الشرطة القبض على وزير الإعلام السابق أنس الفقي والمهندس أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون للتحقيقات معهما في قضايا فساد تضم مخالفات مالية منسوبة إليهما، قبل أن يتم إطلاق سراح الشيخ الشهر الماضي، ليبدأ بعدها بحوالى أسبوعين توافد المتهمين في قضية قتل المتظاهرين الشهيرة إعلامياً بـ «موقعه الجمل»، والذين تمت تبرئتهم بقرار من المحكمة في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، البداية كانت مع قرار بسجن مجلس الشعب السابق عن دائرة الهرم والعمرانية عبدالناصر الجابري، الذي توفي في أيلول (سبتمبر) عام 2011، وقبل أن يستمع إلى قرار تبرئته.

بالتزامن مع ذلك كان جهاز الكسب غير المشروع يجري تحقيقات مع المقربين من الرئيس السابق ورموز نظامه، فقرر في 6 نيسان حبس وزير الإسكان السابق إبراهيم سليمان 15 يوماً على ذمة التحقيقات في قضية اتهامه بالتربح وإهدار المال العام، بعدها بيوم واحد يستقبل سجن طرة زائراً جديداً هو رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق زكريا عزمي، على ذمة تحقيقات بـ «استغلال النفوذ»، وفي 10 من الشهر نفسه سُجن رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد نظيف على ذمة قضية اللوحات المعدنية للمرور، وفي اليوم نفسه يعود مجدداً توافد المتهمين في قضية «موقعة الجمل» فحضر أمين التعليم السابق ماجد الشربيني، بعدها بيوم واحد تستقبل «جمهورية طرة» رئيس مجلس الشورى السابق والرجل النافذ صفوت الشريف، قبل أن يحضر القياديان في الحزب الوطني «المنحل» وليد ضياء وشريف والي، بعدها بيومين يحضر المحامي المثير للجدل مرتضى منصور والذي أطلق سراحه بعدها بشهور، لكن الطامة الكبرى والتي رسخت بجلاء سقوط النظام السابق، عندما استقبل طرة نجلي الرئيس السابق علاء وجمال في 13 نيسان، على ذمة تحقيقات بـ «الفساد واستغلال النفوذ»، وهما من كانت سيرتهما ملء السمع والبصر، وفي 19 نيسان يأمر النائب العام بسجن رجل الأعمال إبراهيم كامل والمقرب بشدة من جمال مبارك، والذي عرف عنه إدارة «ملف التوريث» في العهد السابق، على ذمة التحقيق في قضية «موقعة الجمل»، بعدها بيوم تكتمل جمهورية طرة بحضور رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور على خلفية اتهامه بالتورط في موقعة الجمل أيضاً، بعدها كان نزلاء طرة اعتادوا على استقبال بقايا النظام السابق ومن كان منهم يتخيل أنه سيجاور نجلي مبارك أو حتى رئيسي البرلمان بغرفتيه، ففي 21 نيسان جاء الدور على وزير البترول السابق سامح فهمي و7 من قيادات الوزارة على ذمة التحقيقات في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، وفي اليوم نفسه يحضر نقيب العمال السابق حسين مجاور في موقعة الجمل، وفي 11 أيار يأمر النائب العام بسجن النائب السابق يوسف خطاب في موقعة الجمل، قبل أن يجاوره عضو مجلس الشعب السابق رجب هلال حميدة، وفي 4 تموز ينضم وزير الزراعة السابق المهندس أمين أباظة إلى نزلاء طرة على خلفية تحقيقات في وقائع الفساد، وبعدها بيوم ينضم إليه سلفه يوسف والي الذي كان قريباً من مبارك على ذمة التحقيقات في شأن «استيراد مبيدات كيماوية مسرطنة»، وفي 14 تموز يؤمر بسجن رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد، لينتهي المسلسل بحضور الرئيس السابق مبارك بنفسه إلى طرة، بعدما أمر القضاء بسجنه 25 عاماً على خلفية قضية «قتل الثوار» في 3 حزيران (يونيو) الماضي، ليكتمل عقد النظام السابق.

* غداً حلقة ثالثة


أسرار سجن طره: عزمي والفقي أسكتتهما الصدمة وسرور وصل مع أنصاره.. والمغربي أراد الرحيل إلى سجن آخر ( 2 من 4) - الحياة اللندنية - القاهرة http://pixel.quantserve.com/pixel/p-89EKCgBk8MZdE.gif

No comments:

Post a Comment